منبرالراي

تونس : موقف شعبي ورسمي مناهض للتطبيع الإبراهيمي …الموقف الحكومي يندد والشارع غاضب

جدلا كبيرا أثارته العديد من وسائل الاعلام العربية في قراءتها ،فتسارعت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتجاجات والتساؤلات عن تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية و الاحتلال الإسرائيلي خاصة الامارات العربية المتحدة التي تصدرت وسائل الاعلام بعد تطبيعها الذي كان مغلفا بالسر والكتمان ليظهر الي العلن من خلال سلسلة اتفاقيات اقتصادية ،تلك التي اصطلح على تسميتها بالعلاقات الاستراتيجية ، في الوقت الذي اثارت فيه وسائل الإعلام موجة من التطبيع حيل الاسباب وتداعياته وجدت تونس نفسها في موقف متفرد ورافض لجميع اشكال التطبيع.

التطبيع بين إسرائيل والإمارات… أوالإتفاق الإبراهيمي للسلام

صادق يوم 13 أوت/ أغسطس 2020 مجلس الوزراء الإماراتي على «الإتفاق الإبراهيمي للسلام»، حيث اعتبرتها الامارات العربية المتحدة “معاهدة السلام” وعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. كما وصفته ب”رافداً من روافد السلام والاستقرار يدعم طموحات شعوب المنطقة، ويعزز من سعيها الحثيث لتحقيق الرخاء والتقدم، كونه يمهد الطريق نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والمعرفية والاستفادة من الفرص والإمكانات، التي يحظى بها الجانبان للإسهام في صياغة مستقبل أكثر إشراقاً يقوم على التفاهم والتعاون المشترك والاحترام المتبادل”.

في نفس التوجه نشرت وكالة الإمارات للأنباء “وام” “إن الاتفاق الإبراهيمي يعد إطارا متكاملا لبناء علاقات إيجابية بين الدولتين على مختلف الأصعدة بما يسهم في إرساء دعائم السلم والأمن في المنطقة، علاوة على تحفيز التعاون في المجالات الاقتصادية والعلمية.

وأشار المجلس إلى أن الاتفاق يعكس النهج الإماراتي القائم على الوسطية والتسامح وتغليب ثقافة الحوار وسيلة فعالة للتقارب وإحلال السلام، عبر ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي يأتي في مقدمتها التفاهم والتعايش.”

وهو ما أكدته صحيفة البيان الإماراتية أن”معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي جاءت بقرار سيادي إستراتيجي هي جزء من الرؤية الإماراتية التي تفتح أبوابًا جديدة، من خلال العلاقات بين الدولتين وما تمتلكانه من إمكانيات، لتحقيق الرخاء والتقدم والازدهار لشعوب المنطقة جميعا”.

الموقف الإماراتي خذلان للأمة …

أثارت موجة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي زوبعة عاصفة للأفكار و حالة من الإستنكار فيما وجدت الحكومة التونسية نفسها منسجمة مع القواعد الشعبية التي تبنت رفضها التام لفكرة التطبيع التي انساقت ورائها دولا عربية .

وهو ما تبلور يوم 13 أوت/ أغسطس 2020 في الاتفاق الرسمي لتطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية، بعد مسارتعاوني استمر لسنوات من التحالف شبه الرسمي، ترجم في معظم الملفات الإقليمية ومساع من أجل الترويج لفلسفة جديدة بشأن الصراع العربي الإسرائيلي في العالم الإسلامي ،دعاتها المطبعون الذين يسعون إلى إنقسام الهوية العربية ودمجها بإتفاق إسرائيلي .

ولعل في سلسلة البيانات والتصريحات الإعلامية التي عمت المدن التونسية لدليل واضح لا يحمل اللبس أو الغموض عن حالة الإستنكار لدعاة التطبيع بما لا ينسجم مع قضايا الامة العربية والإسلامية .

بالنسبة للشعب التونسي فكرة معاهدة إماراتية إسرائيلية، بضمانات أمريكية تهدد المصلحة الوطنية الفلسطينية بطريقة مباشرةوالعرب عامة وهو أثار جدلية إعلامية وحزبية شعبية تصاعدت فيها المطالب في بيانات رسمية تقاطع التطبيعبموقف رسمي ومعلن وصريح.

أدان مساء الجمعة 14 أوت/ أغسطس 2020 حزب التيار الديمقراطي ما أقدمت عليه الامارات العربية المتحدة من إعلان لتطبيع كامل للعلاقات مع الكيان الصهيوني العنصري الغاصب لأرض فلسطين.

حيث اعتبر الحزب تطبيع الإمارات بـ”الموقف المخزي الذي يعمل عدد من قادة بعض الأنظمة العربية على توسيع دائرته بينما يصعد العدو من وتيرة ارتكابه لمجازر بشعة ضد شعبنا الفلسطيني، وينفذ بدعم من الإدارة الأمريكية عملية تصفية للقضية الفلسطينية”.

وأكد دعمه اللّامشروط للقضية الفلسطينية ولجبهة المقاومة ولكافة قضايا تحرر الإنسان في العالم.

وهوما عبرت عنه كذلك حركة النهضة، يوم الجمعة 14 أوت/ أغسطس 2020 في بيانا لها من خلال “إدانتها الشديدة للموقف الذي أعلنته دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يشكل اعتداءًا صارخا على حقوق الشعب الفلسطيني وخروجا على الإجماع العربي والإسلامي الرسمي والشعبي ووقوفًا مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني”.

كما وصفت النهضة قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بـ”الخطوة الاستفزازيّة للشعب الفلسطيني، وللأمتين العربية والإسلاميّة، ولكل الشعوب المناصرة للقضية الفلسطينيّة العادلة”، وفي ظرف تصاعدت فيه حدة الاعتداءات الصهيونيّة على الشعب الفلسطيني استعدادًا لضمّ “غور الأردن” وكافة الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية.

في نفس اليوم أصدر حزب التكتل، بلاغا دعا فيه “الدول العربية التي سلكت توجها تطبيعيا شهدناه خاصة في السنين الأخيرة إلى مراجعة مواقفها وإلى التراجع عن التمشي التطبيعي الذي سلكته والذي يضر بصفة مباشرة بحق شعبنا الفلسطيني كما يحملها المسؤولية كشريك في كل ما سيطال الشعب الفلسطيني من قمع وقتل واستيطان.”

كما أدانت حركة الشعب في بيان لها “حكام الإمارات وكل الحكام العرب المرحبين بالتطبيع مع العدو الصهيوني والمتآمرين على قضايا الأمة المصيرية، حيث تعتبر التطبيع بأي شكل من أشكاله مع العدو الصّهيوني خيانة وجريمة في حق شعبنا العربي ومستقبل أبنائه وحقه في الحريّة والوحدة، وشددت على وقوفها “في صف المقاومة العربية ضد مخططات الاحتلال وحلفائه من رجعية واستعمار”.

اعتبرت النقابة التونسية للصحافيين التونسيين أن “اتفاق التطبيع يعطي صكا على بياض للكيان الغاصب لمزيد الإمعان في التنكيل بالشعب الفلسطيني وتدين بما اسمته “القرار الإماراتي الجبان”، داعية الرئاسات الثلاثة في تونس إلى “الرفض العلني والواضح لهذه الخطوة التطبيعية مع كيان يعتبر عدوا لتونس ولكل الشعوب العربية، ويمثل التطبيع معه خيانة.

صرح أيضا وزير خارجية تونس الأسبقرفيق عبد السلام لموقع عربي21 في حوار له مؤخرا عما اذا كانت تونس تتعرض لضغوط للانحياز للتطبيع الابراهيمي أكد أن “الضغوط أمر متوقع بسبب باب الشر الذي فتحته الإمارات العربية بمشاريعها التآمرية وتحالفها مع إسرائيل، لكن تقديري أن تونس والجزائر لن تركبا موجة التطبيع، لأنهما لن تتزحزحا عن مناصرة فلسطين والقدس بأية حال من الأحوال وتونس لن تكون إلا في انسجام مع نبض الشارع التونسي المنحاز لفلسطين.”

 “والتطبيع المطلوب والأهم هو تطبيع الحكومات العربية مع شعوبها، وتطبيع العلاقات البينية العربية لمعالجة الأزمات المستفحلة بدلا من الهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال، والمتستر بالرداء الإسرائيلي هو عريان في نهاية المطاف.”

على غرار عدد من الأحزاب ونقابة الصحفيين أدانت منظمات تونسية اتفاق التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، محذرة من مخاطره على مسار القضية الفلسطينية، نددوا بالتطبيع والتفريط الممنهج وللتصدي لهذا الخطر الذي بدأ يستفحل في الانظمة العربية ،من خلال وقفة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس منذ أشهر.

وقفة ضد التطبيع في تونس

ترجم الرفض في عدة شعارات ورايات فلسطينية وتونسية معبرة عن تضامنها المطلق مع الشعب

الفلسطيني والمنددة بالأنظمة العربية المطبعة و إستفحال هذه الظاهرة وهو ما عبر عنه الناشط السياسي ورئيس المنتدى التونسي للسيادة الوطنية، نفطي حولة، في تصريح لـ”العربي الجديد” إن هذه الوقفة هي ضد الهجمة والهرولة للتطبيع، تندد بما يحصل من قبل بعض الأنظمة المطبعة، كالإمارات والبحرين، وما سيتبعها… “الشعب العربي المدافع عن القضية لن يقبل بالتطبيع، وبما يحصل في الأراضي الفلسطينية من انتهاكات”

“لا للتطبيع “، التطبيع خيانة “،”التطبيع جريمة ” لابد ان يعاقب عليها القانون “التطبيع هو إعدام للإنسانية والتعدي على الكينونة الإسلامية وهتك أعراض البشرية جمعاء .”

كلها شعارات رفعت في الشارع التونسي في نطاق فعاليات شعبية منددة وغاضبة إحتجاجا على تطبيع دول عربية مع إسرائيل دون اي اعتبار للقضية الفلسطينية وللأطماع الصهيونية ضد الارض والشعب العربي .

تونس ليست معنية بالتطبيع مع إسرائيل…

نفت وزارة الخارجية التونسية أن كل “ما يروج من شائعات عن عزم تونس على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا أساس له من الصحة”، مشيرة إلى أن هذا الموقف “لن يتأثر بالتغيرات الدولية”.

وهو ما وثقته في بيان لها أصدرته مؤخرا “كل ما يروج من إدعاءات حول نية تونس التطبيع مع اسرائيل لا أساس له من الصحة ويتناقض تماما مع الموقف الرسمي المبدئي للجمهورية التونسية المناصر للقضية الفلسطينية العادلة والداعم للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني”.

كما صرح منذ أسابيع رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي في مقابلة مع محطة “فرانس براس” إن تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل “ليس مسألة مطروحة” بعد أيام من قرار المغرب استئناف علاقاته مع الدولة العبرية.

بالنسبة لتونس هذه المسألة ليست مطروحة و “لكل بلد واقعه وحقيقته، ولكل بلد دبلوماسيته التي يرى أنها الفضلى لشعبه”

بدوره وصف الاتحاد العام التونسي للشغل تطبيع دولة الإمارات العربية المتحدة مع الكيان الصهيوني بـ”القرار المخزي” واعتبره “حلقة في سلسلة الخيانات التي مارستها وتمارسها الأنظمة العربية الموالية للقوى الإستعمارية” وطالب الاتحاد في بيان، الحكومة التونسية بالتنديد بهذا القرار”الخياني”.

يستذ كر التونسيون بمرارة سلسلة الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل على التراب التونسي ،تاريخ لا يزال محفورا في ذاكرة من عاصروا تلك الفترة بداية من حادثةحمام الشط أو “عملية الساق الخشبية”، عندما أغارت في01 أكتوبر 1985 طائرات صهيونية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس مخلفة 68 شهيدا وأكثر من 100 جريح واغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988 بتونس،الى اغتيال الموساد الإسرائيلي للمهندس التونسي والعالم الشهيد محمد الزواري بتاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول 2016 في صفاقس.

مقترح قانون تجريم التطبيع في تونس بين الإرادة الشعبية والمواقف السياسية

مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس أثار جدلا واسعا لاسيما بعد تأجيل النظر فيه وقبعه في رفوف البرلمان منذ 2015 بسبب الخلافات الحزبية ،إذ سبق و أن تقدمت أحزاب وقوى يسارية حينها بمشروع قانون يجرم كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو ما صرحت به مباركة البراهمي نائبة في مجلس نواب الشعب في تلك الفترة لوكالة الانباء الاناضول : “نحن في الجبهة الشعبية قدمنا مشروع القانون “تجريم التطبيع مع إسرائيل” لمجلس النواب منذ ديسمبر/كانون الأول 2015…لكن وقع التعتيم عليه وتركه في الأدراج”.

وهو ما دفع الكتلة الديمقراطية ومجموعة من البرلمانيين المستقلين اليوم إلى تحيين هذه المبادرة التشريعية التي تدعو إلى تجريم التطبيع بمناسبة مرور 4 سنوات على اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري من قبل الموساد الإسرائيلي داخل الأراضي التونسية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016.

كما دعا حزب التيار الديمقراطي في بيان له إلى “تمرير مشروع قانون تجريم التطبيع في البرلمان التونسي بما ينسجم مع ثوابت السياسة الخارجية التونسية والمواقف التي وقع التعبير عنها خلال الحملات الانتخابية والرافضة لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني”

في تصريحات اعلامية بخصوص مقترح قانون تجريم التطبيع في تونساكد محمد عمّار النائب عن الكتلة الديمقراطية أن المبادرة “جاءت نتيجة تساقط الدّول العربية أمام تجريم التطبيع، حيث أنّ المبادرات والقوانين تدخل حيّز التنفيذ عندما يتمّ المصادقة عليها.”

ويتضمن مقترح قانون تجريم التطبيع في تونس ديباجة و8 بنود تعرف جريمة التطبيع في مختلف المجالات السياسية والرياضية والفنية، وتضبط العقوبات على المطبعين التي تتراوح بين سنتين وخمسة سنوات سجناً وبغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.

في نفس السياق حذر اتحاد الشغل السلطات في بيان له خلال هذا الشهر “من أيّ خطوة تطبيعية ويطالب البرلمان بالمصادقة على قانون تجريم التطبيع، مؤكدا أنّ النقابيات والنقابيون والقوى الوطنية وكافّة الشعب التونسي سيتصدّون لأيّ محاولة لجرّ تونس إلى مستنقع التطبيع.”

كما طالب الاتحاد ” البرلمان بالمصادقة على المبادرة الخاصّة بسنّ قانون تجريم التطبيعورفضه لأيّ تعامل مع الكيان الصهيوني تحت أيّ ذريعة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو أكاديمية أو غيرها، ويعتبر التبريرات التي يسوّق إليها البعض والمتّصلة بإغراءات الاستثمار والتشجيع على السياحة وتقديم الدعم المالي إنّما هي أوهام يزرعها دعاة التطبيع لضمان مصالحهم مع الكيان الصهيوني والدول الراعية له ولن ينال التونسيات والتونسيين منها غير مزيد التفقير والاستغلال ونهب ثروات بلادهم .”

بالرغم من موجة التطبيع تبقى تونس على ثقة بان الشارع العربي سيبقى موحدا في مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية وحقوقها المشروعة ومقدساتها المسلوبة،الذي بات منسجما مع قواه الحية من احزاب ونقابات ومنظمات وهيئات الى جانب عديد الملتقيات المناهضة للتطبيع بجميع اشكاله في ما ارتفعت وتيرة التطبيع الابراهيمي والتنديد به لما أثر سلبا على الشعب الفلسطيني وقضيته المحورية.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق