الفكرالفنونحوارات

أدهم مروان فنان الحب والوطن وموناليزا الأغنية العربيّة

جليلة كلاعي

من أرض المقاومة والصمود جاء, من ربوع الجنوب اللبناني. حمله الشوق إلى أرض عليسة يتبع خطى التاريخ الممتد من أرض لبنان الصامد إلى تراب قرطاج تجمع بينهما ذاكرة منقوشة على موج البحر المتوسط … ركب زورق الحنين حتى قاده شراع أبيض ناصع التقت على مساحته الصغيرة شجرة أرز متجذرّة عروقها في تربة الأيام صامدة برغم العواصف المتتالية فعانقت نجما في حضن هلال في شكل قارب لا تخيفه أمواج التاريخ والمتوسط. من هناك جاء أدهم مروان الفينيقي اللبناني العربي بلحيته الخفيفة المنقوشة على وجه لا تفارقه الابتسامة، ابتسامة تزرع في قلوب كل من التقاه راحة لها عطر قهوة عربية بطعم الياسمين.

التقيناه ذات صباح قريبا من إحدى شواطئ العاصمة تونس وكأنه أراد أن يؤمن لنفسه ذاك الشعور اللذيذ بأنه ما يزال في حضن لبنان… ذراعه الشرقي يلامس أرض الجنوب اللبناني وذراعه الغربي يمتد من خلال موج البحر الأبيض على أرض تونس ليمتزج حديثه معنا بلون كلمات أغانيه وفنّه المتأصل في حنايا شخصيته المتميزة.

سألناه عن ادهم مروان من يكون؟أدهم شاب لبناني نشأ الفن بين ثنايا أيامه وبين أحضان عائلة شربت من الفن حتى الثمالة، والده عازف عود متمرّس وفنان جسد الفن العربي الأصيل بصوته وأعاد إلى التراث اللبناني حياته فبعث الروح فيه من جديد، ووالدته كان لها حضور متألق مع عملاق الكلمة واللحن والصوت الشجي الأسطورة وديع الصافي.

هاجر أدهم مروان باحثا عن نفسه، عن لونه الخاص، عن أدهم الإنسان الفنان.

سألناه عن تونس، عن اختياره لهذا الوطن وهذه الأرض، عمّا يغريه فيها وهو الباحث عن التألق في عالمه الفنّي وامتلاك مكانه ومكانته… أخذ نفسا طويلا واعتدل في جلسته وكأنه يستعد لإلقاء إجابة يريد تقديمها في أجمل حلّة كأغنيّة جديدة.اخترت تونس لأسباب عدّة لعلّ أهمها أنها قلعة الفنّ ومسرح الاختبار لكل فنّان باحث عن بداية واعدة صحيحة، تونس أرض علي الريَّاحي، أرض صَلِيحَةَ وعليّةّ، وطن صابر الرباعي وخاصّة المايسترو لطفي بوشناق مدرسة الكلمة واللّحن والصوت.

كل ما في تونس أغراني ما زال يغريني، فحبّي الأول كان تونسيا، ولي عشق لهذه الأرض بعد حبّي لوطني.

أخذنا الحديث إلى ذكر عملاق الفن العربي لطفي بوشناق فلاحظنا بريقا في عيني أدهم مروان وكأنّه في حضرة المايسترو ، ارتسمت على محياه ابتسامة سعادة، كطفل صغير… الأستاذ لطفي بوشناق قامة فنيّة لا تحتاج تقديما أو تعريفا من أحد إلتقيته من غير موعد, تعرفت عليه عن طريق صديق، لم آخذ ذلك مأخذ الجدّ، لكن بوشناق رحّب بي وكأني ضيف حللت بداره، كم أثلج صدري ذاك الاهتمام من طرفه، تحدثنا طويلا وحملتنا الكلمات إلى عالم الفنّ واللّحن، لا أتذكر كم لبثنا من الوقت كانت الدقائق تمر بسرعة غريبة، تمخّض اللّقاء عن مولود أفتخر به، أغنيّه نظم كلماتِها لطفي عبد الواحد، ولحنها الفنان لطفي بوشناق، “في بلادي” باكورة عملِ لبناني الصوت والأداء، تونسي الكلمة واللّحن، أرض تونس مكان ولادتها وانطلاقتها، تحمل في طيّات كلماتها ومعانيها معاناة وطني الصغير لبنان وأنين وطني العربي الباحث عن وضع أفضل وحياة تليق بتاريخه وحاضره ومستقبله … في نفسي ألم من أجل وطني العربي ومن أجل لبنان الحبيب، ولكن بداخلي أيضا أمل في غد أفضل لهذه الأوطان، أجد نفسي في هذا الخضمّ أحمل صفة فنّان الحب والوطن، وكم أعشق هذا الوطن بكل ما فيه من ألم وأمل، وكم أحلم بأغنية أطرحها في تونس تخلّد ذاك الألم وتحيله على الذّاكرة وتزرع في القلوب العربيّة أملا في واقع وغد أفضل.

سألناه عن الوطن، عن لبنان وهو الذّي هجره صغيرا منذ خمس وعشرين عاما واستقر بمدينة الأنوار باريس… فرّت منه تنهيدة وتمردّت عليه فلم يستطع حبسها أو إخفاءها، لبنان هو حبّي الخالد، يؤلمني ما يؤلمه ويعكّر صفو أيّامه.

لبنان على صغره غنيّ بكل شيء, وكم هو في حاجة إلى صدق مسؤوليه وأبنائه، وكم أحسّ بِكِبَرِ مسؤوليتي كفنان وفي التاريخ الفني لوطني عمالقة في عالم الفن فلا خيار لي سوى التميّز وأنا ماضٍ في ذلك، أنا صاحب رسالة كلماتها الحب وكتابها الوطن، أرى نفسي إنسانا قبل أن أكون فنّانا في مخاطبة النّاس والجمهور.

أغنّي لنفسي وللوطن والحبّ، أغنّي فأخاطب القلوب والإحساس، فلا قيمة لفنّي إن لم تتلقّاه قلوب حيّة وتحتضنته عقول واعية.

سألناه عن حلمه بعد النجاح، نظر إلينا بعينين حالمتين، عيْنَيْ طفلِ صغير: أحلم بقصيدة لم تكتب بعد،أجعل منها موناليزا الأغنية العربية.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق