تحقيقات

الودائع القطرية” في البنوك التونسية..تعزيز للإستثمار أم قيد سياسي

أصبحت تونس تدريجيا تمثل ممرا إستراتيجياً لإعادة التحالفات الجيوسياسية في حوض البحر المتوسط وهو ما ساهم في تعميق العلاقات التونسية القطرية التي باتت نموذجية باعتبارها الجسر الاقتصادي  الذي يربط بين البلدين ، حيث تسعى الأولى لجلب وتعزيز الاستثمارات والثانية لإعطاء القروض والودائع البنكية لتحقيق أهدافها الربحية وضخ تمويلاتها للهيمنة  والسيطرة الاقتصادية ،لقد باتت هذه العلاقة  تسلك منعرجا إقتصاديا هاما لاسيما في ظل التعاون الاستثماري الأجنبي المباشروالودائع البنكية في تونس ،الذي ترجمته عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين خاصة بعد الثورة.

أكدت العديد من الوسائل الإعلامية أن قطر تستعد لمنح تونس وديعة جديدة بقيمة 500 مليون دولار أمريكي (1445 مليون دينار تونسي)،حيث ستخصص لدعم الموازنات المالية الحكومية المتعثرة خصوصا وأن تونس مطالبة بسداد آلاف  المليارات بعنوان قروض خارجية،  في وقت لا تزال فيه المعاملات المالية مع بعض المؤسسات العالمية المانحة، على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي معلّقة.


تتصدر قطر صدارة الدول العربية المستثمرة في تونس، حيث تمثل استثماراتها نحو 43% من مجموع الاستثمارات الخارجية في البلاد، بحسب أرقام رسمية صادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، بما يفوق 580 مليون دينار (حوالي 215 مليون دولار)،حيث تتوزع بين قطاعات السياحة والخدمات والاتصالات إلى جانب استثمارات في المحافظ المالية والبنوك.

لقد كان هذا الإجراء في وقت كانت فيه حكومة “الترويكا”تحت ضغط من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، والتي طالبت بتخفيض العجز في الميزانية على خلفية انخفاض في الاستثمارات و تراجع اقتصادي عام حاد.
هذا الإجراء قد ساعد بتقليل اللجوء إلى الائتمانات الخارجية (8484 مليون دينار سنة 2020)  باعتباره سيضمن المزيد من السيولة في سوق الصرف بين البنوك المحلية.
خلال مؤتمر تونس” 2020″ خُصصت قطر أيضا 250 مليون دولار منها (587.5 مليون دينارتونسي) لتمويل عددا من المشاريع العامة.
كما أعلن  أمير قطر ، تميم بن حمد آل ثاني سنة 2017 عن تمويل  قطري لتونس  بقيمة 1 مليار دولار (حوالي 2.35 مليار دينار) للمساعدة في خفض العجز في ميزانية الدولة.

لا ننس أيضا  الوديعة البنكية التي أمر بإيداعها  الأمير حمد آل ثاني بعد ثورة الياسمين  سنة 2013 والتي تقدر  ب500 مليون دولار أمريكي لدى البنك المركزي التونسي ، أي ما يعادل 839 مليون دينار تونسي حينها  كما تم صرف قرض بنفس القيمة وفي نفس السنة ،حيث تم سداد هذه الوديعة على مدى خمس سنوات .

حسب ما أكده العديد من الخبراء الاقتصاديين التونسيين  أن الودائع القطرية كانت أم أجنبية لها آثار إيجابية على الاقتصاد التونسي فهو حل من الحلول لإنعاش القدرة الاقتصادية ودعم احتياطي تونس من العملة الأجنبية ، كما أكدوا أنه ستكون لنا بعد الأزمات المتعثرة مواجهة للحصار المؤقت للتمويل الخارجي وإيجاد حلول جذرية للخروج من بوتقة القروض و الحصار المالي .

إضافة إلى تداعيات فيروس كورونا التي  كلفت تونس خسائر تتراوح بين 7-8 مليارات دينار (2.54 – 2.75 مليار دولار)، وسط تأثير حاد خلفه الإغلاق العام في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2020، على مختلف الأنشطة الاقتصادية.

كما أن قطاع السياحة في تونس أصبح يشهد أزمات متتالية، باعتباره واحد من أبرز ثلاثة مصادر للنقد الأجنبي الوارد إلى البلاد، بشكل شبه كامل منذ مارس، وسط ركود وخسائر لحقت بمختلف مرافق الضيافة العاملة في البلاد.

وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن النمو الاقتصادي التونسي عرف منذ بداية 2020، انكماشا بنسبة 2.2 % ، في حين كان النمو سجل في الربع الأول من 2019 نحو 1.2 %.

وفي الربع الثاني من سنة 2020، انكمش نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21.6 وبنسبة 20.4 %

وانكمش الاقتصاد الوطني، خلال النصف الأول 2020، بنسبة 11.9% مقارنة بالفترة ذاتها من 2019، وفق مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء.

كما شهد الناتج المحلي الإجمالي انكماشا بنسبة 6 بالمئة، في الربع الثالث  من سنة2020 مقارنة بالربع الثالث من العام 2019.

كما تراجع النمو الاقتصاد التونسي بنسبة 10 % خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة2020، مقارنةً بنفس الفترة من سنة 2019.

الودائع البنكية ركيزة البناء التنموي لجل القطاعات الأخرى

في تصريح حصري أكد لنا الخبير الاقتصادي التونسي محمد صالح جينادي ” تونس لابد من مراجعة سياستها الاقتصادية ….نحن فرطنا في القطاعات الربحية وتركنا القطاعات التي تحتاج إلى حلول جذرية واستراتيجيات لتطويرها.

حيث أن أهم الاستثمارات التي تستطيع تونس أن تتفادى بيها الموازنات المالية هي التكنولوجيا والقطاع الخاص وبالطبع الودائع البنكية لها أثار ايجابية على الاقتصاد التونسي. “

  وفي سؤالنا لعدد من الخبراء الاقتصاديين التونسيين أكدوا “أن تونس في حاجة إلى دعم مالي لإنعاش الاقتصاد خاصة في الأزمات التي عرفتها تونس بعد الثورة إضافة الى تعاقب الحكومات ،  لذلك فالإستثمار والودائع ركيزة البناء التنموي لجل القطاعات الأخرى وهو ما يمثل دفعة للاقتصاد التونسي الذي يعاني من مشاكل عدة مع صعوبة الاقتراض من الخارج في ظل عدم الاستقرار السياسي. “

“فجل الودائع البنكية التي تم  إيداعها في حساب البنك المركزي التونسي سواء كانت في الماضي أو في الحاضر جاءت في وقت تواجه فيه الحكومات ضغوطاً من المُقرضين الدوليين مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتطبيق مزيد من الإصلاحات الاقتصادية لتقليص عجز الميزانية، فالاقتصاد التونسي مازال يواجه صعوبات نتيجة تأثير عدم الاستقرار الأمني والسياسي مع تزايد الجائحة العالمية لفيروس كورونا التي أثرت على القطاعات الحيوية في البلاد طيلة السنة الماضية. “

كما صرح مؤخرا في عدد من الوسائل الإعلامية التونسية رئيس “حزب العمال التونسي”، حَمة الهمّامي، أن منح قطر وديعة لتونس بقيمة 500 مليون دولار أمريكي “لم يكن بحسن نية أو مجانية”.

وأكد الهمامي أن الدوحة اشترطت، لمنح هذه الأموال، تنقية الأجواء بين الرئيس التونسي، قيس سعيد، وزعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي.

وفي المقابل أكد راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب في تونس للخليج أون لاين ” علاقات بلده مع قطر بأنها “نموذجية وإستراتيجية”.

كما أوضح الغنوشي في حديث لصحيفة “الشرق” القطرية، أن “العلاقات بين تونس وقطر تحترم الإرادة الحرة لشعبيهما، وتجسد واقعياً تبادل المصالح، وتخدم عملياً ما ينفع الناس”.

وأوضح أن “عمق الروابط والعلاقات التي تجمع بين قطر وتونس توجتها الزيارات والاتفاقيات المتبادلة بين قيادتي البلدين”، مشيراً إلى أن “مكتب نواب الشعب وافق في الفترة الماضية على تركيبة مجموعة الصداقة التونسية القطرية”.

وأضاف الغنوشي: إن “العلاقات بين البلدين شهدت زخماً كبيراً من خلال دعم الحكومة القطرية لتونس بنحو مليار دولار في شكل ودائع وهِبات، كما أن الصندوق القطري يسعى لتوفير 100 ألف فرصة عمل في تونس”.

الودائع البنكية تطورت بنسق أبطأ من القروض

حسب  التقرير السنوي للرقابة المصرفية للبنك المركزي  التونسي سنة2018 أن الودائع تطورت بنسق أبطأ من القروض، مما استدعى اللجوء الى إعادة التمويل لدى البنك المركزي التونسي.

 وبالفعل، فقد ظل معدل تغطية القروض بالودائع في منحى تنازلي، حيث انخفض من 8.81 %سنة 2002 إلى 4.80 %سنة 2000 وهو ما يعكس الانخفاض في إدخار الأسر وتدهور وضعية السيولة لدى للمؤسسات. 

منذ أشهر صرح محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال مداخلته في الجلسة العامة بمجلس نواب “ان الشعب الوضعية الاقتصادية في تونس كانت صعبة قبل ظهور فيروس كورونا و :” تفاقم الوضع بسبب الجائحة ”  ، كما أكد أن هذه الانعكاسات الاقتصادية السلبية  التي تسبب فيها انتشار الفيروس فد عطلت العجلة الاقتصادية  .

وتابع “إن مؤشرات الاستثمار انخفضت في تونس إلى حدود  13 بالمائة سنة 2020 في حين كانت تبلغ 27 % خلال السنوات الماضية و هو نتاج تراجع التصدير و الادخار الذي بلغ 6 %  :” الدولة التي لا تدخر لا تستطيع الاستثمار “.

تجدر الإشارة حسب إحصائيات إقتصادية نشرت مؤخرا إلى أن العجز التجاري الغذائي في تونس شهد تراجعا خلال الأشهر القليلة الماضية ليبلغ 10136,4م د إلى حدود شهر سبتمبر 2020 في المقابل بلغ  14848,1 م د في نفس الفترة سنة 2019، وهو نتاج انخفاض الواردات بنسبة %21,3 بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019  و تراجع الصادرات أيضا بنسبة %16,6. 

في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، توقّع صندوق النقد الدولي، في تقريره حول “آفاق الاقتصاد العالمي”، انكماش الاقتصاد التونسي بنسبة 7 % خلال كامل 2020.

كما توقع “النقد الدولي” عودة الاقتصاد التونسي للتعافي تدريجيا، وبنسبة نمو 4 % خلال العام سنة 2021 مع بقاء تأثيرات الفيروس على الاقتصاد المحلي.

بينما البنك الدولي، عدل إلى السلب، توقعات انكماش الاقتصاد التونسي خلال العام الجاري، إلى 9 % مقارنة مع توقعات سابقة في يونيو/ حزيران الماضي البالغة انكماشا ب%4.

ويقدر حجم الاستثمارات القطرية المباشرة في تونس، بنحو 16 بالمائة، من حجم الاستثمارات المتوفرة في البلاد و يقدر حجم استثماراتها بنهاية العام 2017 بأكثر من 2.7 مليار دينار 90 % منها هي استثمارات مباشرة، توفر ما يقارب 120 ألف فرصة عمل تتوزع على قطاعات الاتصالات والسياحة والخدمات البنكية .

وقد قامت سنة 2017 باستثمارات توسعة تقدر بـ 31 مليون دينار مكنت من خلق عدة فرص عمل إضافية إلى جانب وجود مشاريع جديدة في القطاع السياحي والزراعي قدر حجم استثماراتها بـ 51 مليون دينار.

فهي أول دولة عربية مستثمرة في تونس باعتمادات تناهز 3 مليار دولار أمريكي (قرابة 9000 مليارا من المليمات التونسية) ما يمثل 16 %من الاستثمارات الخارجية.

خلال سنوات مضت عرف المسار التنموي  التونسي بوادر تحسن نسبي للاقتصاد  فيما تواصلت الضغوطات على مستوى التوازنات المالية كنتيجة للتراكمات والتطورات الظرفية غير المواتية وهو ما استوجب البحث عن  خطط واستراتيجيات اقتصادية لدعم المسار التنموي و تنفيذ إصلاحات هيكلية على المستوى الاقتصادي للخروج من الحصار المالي وتنفيذ سلسلة من الإجراءات لجلب المستثمرين الأجانب وخاصة الخليجيين، وتدارك تراجع مكانة تونس العالمية عبر تفكيك العراقيل التي تحول دون التطور الإقتصادي ، لاسيما بعد جائحة كورونا العالمية ،التي كانت السبب المباشر في تراجع نسق نمو الاقتصاد العالمي وهو ما انجر عنه ركود مالي لمختلف الشركات وإفلاس البعض منها .   

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق