الأدبالفكر

جان سيناك بين النور والظل: تحقيق حول الشاعر وشيطانه

جمال قتالة

مع كتاب سيناك وشيطانه، يقدم حميد قرين غوصًا غير مسبوق في حياة ومقتل جان سيناك، الشاعر المثلي الذي اغتيل في الجزائر أغسطس 1973. بعيدًا عن السيرة التقليدية أو التحقيق الاستعراضي، يجمع الكتاب بين التحقيق الصحفي، الصور الشخصية المتعمقة، والتأمل في الذاكرة الثقافية للجزائر بعد الاستقلال.

يُقرأ العمل كسرد يجمع بين الغموض الإجرامي والجانب الإنساني، حيث يكشف المؤلف عن عناصر جديدة وغالبًا مفاجئة.

يشرح قرين بنفسه دوافعه المزدوجة لكتابة هذا الكتاب: «سببان. أحدهما عاطفي… سيناك كان يحلق بخيالي في شبابي… والآخر أنني لم أكتفِ من النسخ المختلفة التي قدمها كتاب السيرة عن اغتياله.» هذا التوازن بين البعد الشخصي والنقدي يتجلى في كل صفحة، مما يمنح القارئ إحساسًا بمتابعة التحقيق، وفي الوقت نفسه، مسار رجل تأثر بفقدان شخص كان يُلهمه.

على خلاف الفرضية السياسية التي غالبًا ما تطرح، يرى قرين أن الجريمة كانت جريمة أخلاقية: «لم يكن سيناك معارضًا سياسيًا، بل كان يدعم النظام… كان يغري مختلف الرجال ليلاً في مدينة ذكورية… وقد حذره ابنه بالتبني جاك مييل من البقاء في الجزائر.» تُبرز هذه الرؤية التعقيدات الاجتماعية للجزائر آنذاك، حيث كانت المعايير الاجتماعية والأخلاقية تهمل أولئك الذين يعيشون خارج الإطار التقليدي، حتى من بين الشخصيات المعروفة.

يستعرض الكتاب أيضًا دقة التحقيق القضائي؛ الشرطة الجزائرية لم تترك أي خيط دون تتبعه، واستجوبت الشعراء والدبلوماسيين والمعارف العاديين لسيناك. ويؤكد قرين: «الحقيقة أن المشتبه به أُفرج عنه فقط بعد إعادة النظر في محاكمته من قبل القضاء…» هذه المعلومة توضح سبب الشك المستمر بين المقربين وكتاب السيرة حول المسؤولية الجنائية.

بعيدًا عن التحقيق، يقدم الكتاب صورة حميمة لسيناك. يميز قرين ثلاث مراحل في حياته: سيناك في عهد بن بيلا، في قلب الثقافة الجزائرية؛ سيناك في عهد بومدين، المعزول تدريجيًا؛ وأخيرًا سيناك بعد مغادرته الإذاعة عام 1971، ما يرمز لبداية تدهوره. ترتبط عزلة سيناك بشكل وثيق بجنسه المعلن وخياراته الشخصية: «مأساة سيناك هي هذه المثلية الظاهرة، الاستفزازية والمعلنة التي سببت شقاءه في المجتمع الذي عاش فيه.»

يضيء الكتاب أيضًا على علاقة سيناك بعصره.

اجتماعيًا كان منفصلًا، سياسيًا كان يدفع نحو إصلاحات أكثر واشتراكية تصب في خدمة الشعب، لكنه بقي مؤثرًا بشكل رئيسي ضمن الدوائر الثقافية الضيقة، مثل كتّاب أمثال كاتب ياسين. صوته لم يغير مجرى المجتمع بأكمله، لكنه كان حاضرًا في الوسط الثقافي بقوة وتميز.

أخيرًا، يتأمل قرين في مكانة الشاعر في المدينة والتوتر بين الحرية الفردية والقيم الجماعية.

عاش سيناك، مثل الكثير من المثقفين في الجزائر، شغفه بضعف، وغالبًا بدون اعتراف مؤسسي واجتماعي. جنسه، بعيدًا عن كونه تفصيلًا، يسلط الضوء على مساره وتلقي أعماله.

كتاب سيناك وشيطانه هو عمل هجيني يجمع بين التحقيق، الصورة الشخصية، النقد، والتأمل في الذاكرة الثقافية.

يعيد حميد قرين لسيناك صوتًا حيًا وإنسانيًا، ويطرح أسئلة دائمة حول الفرد أمام القيود الاجتماعية، والذاكرة والتراث الشعري، واعتراف المجتمع بالشعراء الذين مروا بتقلبات التاريخ بشدة وحساسية.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق