آراءالرياضةالرياضة العالمية

كورونا والمونديال: تهديد مرحلي وإفتعال أزمة سياسية

إياد القيسي

لا تبدو مهمة قطر بالحفاظ على استضافة مونديال كأس العالم في نوفمبر تشرين ثاني 2022 بالمهمة السهلة، فمنذ فوز الدوحة بحق الاستضافة وهي تتعرض لكم هائل من الضغوط الإقليمية والدولية لسحب هذا الحق منها وسط اتهامات متعددة ومتتالية للضغط على الفيفا  لاتخاذ قرار بهذا الشأن.

قطر التي ستصرف اكثر من مئتي مليار دولار من أجل إنشاء ثمانية ملاعب رياضية وبنى تحتية تخدم اكثر من مليون ونصف مشجع ـ حسب ما تعهدت به ــ لا تزل متمسكة باستضافة المونديال وتواصل انجازها لمشاريعها الرياضية الضخمة لتكون على مستوى الحدث العالمي الذي يستقطب عادة اهتمام ومتابعة معظم سكان العالم.

بدأت أزمة قطر مع مونديال كأس العالم باتهامها بدفع رشاوى لموظفين كبار في الفيفا، ثم انتقلت تلك الاتهامات للتشكيك في مدى قدرتها على تنظيم المونديال وتهيئة البنى التحتية والملاعب، ثم في مدى قدرتها على توفير الأمن والاقامة الآمنة للمنتخبات والمشاهدين.

أزمة قطر الحقيقية تكمن في الصراع السياسي الذي يحكم إقليم الخليج منذ ان قامت السعودية وحلفائها في الإقليم بفرض حصار جوي وبري وبحري حولها من اجل خنق الدوحة وحملها على التسليم بالسيادة المطلقة للرياض وابو ظبي على الإقليم الخليجي خاصة بعد أن تحولت القيادة الفعلية في هذين البلدين لحليفين جديدين في كرسي ولاية العهد في بلديهما محمد بن زايد في الإمارات، ومحمد بن سلمان في السعودية.

من هنا يبدو الصراع على قطر صراعا سياسيا يستهدف جر الدوحة لمحور ابن زايد ــ ابن سلمان، اللذان وجدا في تنظيم الدوحة لمونديال كأس العالم 2022 تفوقا استثنائيا سيؤثر على سياسة وأهداف الحصار الخليجي المفروض عليها، وقد يؤدي الى خلخلة هذا الحصار خاصة وان السعودية والإمارات والبحرين تمنع مواطنيها من زيارة قطر، مما يعني حرمان مواطنيها من التشجيع المباشر للمونديال من زيارة قطر والاقامة فيها مدة المونديال الذي سيقام في الفترة من 21 تشرين ثاني نوفمبر وحتى 18 كانون أول ديسمبر 2022.

وجدت قطر نفسها ــ مثل باقي دول العالم ــ في مواجهة مباشرة مع انتشار فيروس كورونا”كوفيد 19 ” المستجد، وحتى اعداد هذا التقرير ( 15/10 /2020 ) فان اجمالي الحالات المسجلة بإصابة كورونا بلغت(128,603 ) اصابة وعدد المتعافين ( 125,584 )، والحالات المستقرة ( 2,799 )، وفي العناية المركزة ( 57 ) حالة، والوفيات ( 220 ) وفاة.

هذه المعطيات الرقمية الإجمالية التي تنشرها الدوحة وتعمل على تحديثها يوميا، لا تبدو انها كانت مقنعة تماما لجهات عادت مجددا لتوظيف جائحة كورونا للنيل من مدى قدرة قطر على الاستمرار في استعدادها لتنظيم المونديال، وبدأت الماكينة الاعلامية تتحدث عن انتهاكات لحقوق العمال العاملين في المنشآت الرياضية تحت الانشاء، واتهام الدوحة بعدم تقديم الرعاية الصحية للعمال الذين بدأ ينتشر بينهم فيروس كورونا دون ان تبدي الدوحة اي اهتمام بذلك.

في منتصف أبريل نيسان أعلنت قطر عن أول اصابة بفيروس كورونا المستجد بين العمال ، وفي شهر حزيران يونيو 2020 أعلنت اللجنة العليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن تنظيم البطولة في بيان لها عن أول وفاة بـ الكورونا بين العمال.

تشابكت الكورونا تماما مع طموحات الكثيرين لنقل مونديال كأس العالم 2022 من الدوحة وكانت الدولة المرشحة للنقل بريطانيا التي دعا نواب بريطانيون لنقل المونديال الى لندن، في الوقت الذي توالت فيه اتهامات منظمات عديدة للدوحة بالكذب فيما يتعلق بحجم اصابات الكورونا في اوساط العمال وحالات وفيات لم يتم التبليغ عنها وفقا لما صرحت به شركة الاستشارات البريطانية” كورنرستون” متهمة قطر بإخفاء المعلومات عن عدد الوفيات والاصابات بل وإعادة جثث المتوفين بالكورونا الى بلادهم الاصلية في مخالفة واضحة لتوصيات منظمة الصحة العالمية.

تلك الاتهامات التي وردت في تقرير شركة “كورنرستون” المتخصصة بتقديم خدمات إلى منظمة الصحة العالمية، و”خدمة الصحة الوطنية” في المملكة المتحدة، وتتابع مجريات الاستعداد لمونديال 2022، منذ أن منحت قطر حقوق استضافته قبل عشر سنوات، دفعت بالمتحدثة باسم الاتحاد الدولي لكرة القدم تايسا بلوم في بيان رداً على تقرير” كورنرستون الذي بثته شبكة”فوكس نيوز”، إن “فيفا” لا يمكنه التعليق حيال الأمر، كونه لم يتم إبلاغه بالتقرير وان الاتحاد يجري تحديثات منتظمة بشأن أوضاع العمال، ويتابع عن كثب الجهود التي تبذلها اللجنة العليا لاحتواء الفيروس بين عمالها منذ بداية الجائحة” مؤكدة” أن الوضع تحت السيطرة حالياً”.

لاحقا وفي شهر ايلول سبتمبر بدأت الصحافة السعودية تنشر معلومات وتصريحات تقول فيها ان الفيفا قرر الغاء تنظيم مونديال الاندية في قطر المقرر اقامتها نهاية العام الجاري 2020، زاعمة في تغريدة لها ان” لجنة المسابقات في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أبلغت الاتحادات التي تشارك أنديتها في دوري أبطال آسيا بأنه تم إلغاء كأس العالم للأندية المقررة في ديسمبر المقبل بالدوحة، كما أن النسخة الجديدة لكأس العالم للأندية المقررة في صيف 2021 بالصين قد تلغى بسبب الأولمبياد وكوبا أميركا”.

وبحسب اعترافات رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو  لصحيفة “ديلي ميرور ” فان الاتحاد يدرس إلغاء بطولة كأس العالم للأندية ، مرجعا السبب الى أن بعض الاتحادات القارية لن تنهي بطولتها قبل ديسمبر، ولذلك سيكون من الصعب إقامة البطولة هذا العام”.

ليس امام قطر إخفاء تحوفاتها من استمرار انتشار فيروس كورونا في العالم وفشل السيطرة عليه مما سيؤثر سلبا على فرص انعقاده على أرضها وهي تخوفات مشروعة في ظل عدم اكتشاف لقاح له حتى الان، لكن امال قطر والعالم لا تزال مفتوحة تماما للتوصل الى علاج له قبل نهاية عام 2021 ، مما يبقي خيار تنظيم المونديال في موعده المقرر قائما ومتحققا.

من المؤكد هنا ان استمرار جائحة كورونا حتى نهاية سنة 2021 ستغير العالم تماما ولن تقف تأثيراتها عند مدى فرص انعقاد المونديال في موعده، بل ستصل تلك التأثيرات الى ابسط تفاصيل الحياة اليومية للبشرية جميعها، ومن هنا تصبح قضية الحرص القطري والدولي على اقامة المونديال نوعا من “الترف القاتل” لكون كل ما يمس الحياة الانسانية سيتغير، وستتأثر رحلات الطيران في العالم ولن تجد الدوحة والفيفا من سيجلس في المدرجات للتشجيع وتسجيل الحضور.

ان قطر تراهن تماما على قدرة العلم على اكتشاف علاج لفيروس كورونا قبل نهاية المقبل 2021 ، وعودة الحياة الى طبيعتها في العالم أجمع، ولذلك فهي لم توقف أعمال الإنشاءات الرياضية، ولم تؤجل أية خطط وضعتها من اجل المونديال.

وربما هذا ما دفع بالأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث القطرية حسن الذوادي  للإعلان ان المونديال سيكون أول احتفالية عالمية بعد فيروس كورونا، وسيمثل فرصة مثالية للتقريب بين شعوب العالم، بعد أن باعدت بينهم الإجراءات الاحترازية للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا”.

وبالنتيجة فان رغبة جهات دولية واقليمية لتجريد قطر من شرف استضافة مونديال 2022 ستظل قائمة حتى اللحظة الأخيرة، وليس من المتوقع ان يتراجع الفيفا عن استمرار قطر بالاستعداد لاستضافة المونديال.

ومن المرجح ان تنتهي جائحة كورونا قبل نهاية العام المقبل وفقا لما تبشر به مراكز علمية ومختبرات طبية، مما يعني أن تلك الجائحة ستفقد اي تأثير لها على استمرارية الدوحة في تنظيم المونديال بالرغم من ترجيح استمرار تلك الضغوط في ظل استمرار الجائحة الوبائية.

لعل أسوأ السيناريوهات التي يمكن توقعها عقب شفاء العالم من فيروس كورونا لجوء دول في محور العداء لقطر لافتعال أزمات سياسية مع الدوحة قد تتطور لاحقا لمناوشات عسكرية يتم توقيت افتعالها مع قرب انطلاق موعد المونديال للضغط على الفيفا لتأجيل المونديال لاستحالة تنظيمه في بلد او منطقة تعاني من النزاع المسلح.

هذا السيناريو على سوئه سيكون ردا من دول الاقليم عقب التعافي من الجائحة واستمرارا في منازعة قطر وحرمانها من شرف استضافة المونديال فضلا عن تكبيدها خسائر بالمليارات وإضاعة جهود طويلة استمرت لسنوات من التخطيط والبناء.

هذا السيناريو على سوئه دون التفكير فيه وعدم وضعه على الطاولة كأسوأ السيناريوهات المحتملة يجب ان يبقى مفتوحا….

ان التخوفات من استمرار جائحة كورونا لا تزال مشروعة وقائمة، لكن تغليب احتمال الانتصار الاممي على الفيروس ما يزال احتمالا كبيرا، مما يغلب سيناريو اقامة المونديال في موعده…

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق