تحقيقات

السّيـــاحة التّونسية: تهدّدها الأزمات السياسيّة والإهتزازات الأمنية ومخاوف من عدم سداد الدّيون

 وفي تصريح صحفي أكد المستشار الخاص لدي المنظمة العالمية للسياحة التيجاني الحدّاد أنّ هذه النّدوة ستكون فرصة للمشاركين من مختلف أنحاء العالم للتأكد من سلامة المناخ الأمني ونجاعة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لضمان أمن السياح والمناطق السياحية وليكتشف العالم بالملموس أنه تمّ بالفعل تجاوز مرحلة الخوف في تونس التي أصبح باستطاعتها اعادة بناء الثقة ونشر الاطمئنان لدى كل زوارها وتجاوز الانعكاسات السلبيّة والصّورة القاتمة التي تسبّب فيها الهجوم الإٍرهابي على وحدة فندقيّة في سوسة.

فقدان 80 بالمائة من السّياح الأوروبيين جرّاء جريمة سوسة الإٍرهابيّة

تلقّت السّياحة التونسية ضربة موجعة ومفاجئة جرّاء الهجوم الإرهابي، في شهر جوان الماضي، الذي استهدف فندق “أمبريال مرحبا” بسوسة وخلّف 38 حالة وفاة و39 جريحا من السّياح الأجانب أغلبهم من البريطانيين، وقتها صرّحت جهات رسميّة أنّ تونس فقدت 80 بالمائة من السيّاح الوافدين من الأسواق الأوروبيّة وتحديدا البريطانيّة وأنّه من المتوقّع أن تصل الخسائر الاقتصادية بما يناهز 515 مليون دولار، لكن الهجوم لم يؤثر على السّياحة الداخلية، حيث تصدّرت مدينة سوسة قائمة المدن السياحية التي شهدت أكبر إقبال من قبل التونسيين وبنسبة تجاوزت 70 بالمائة.

وقد اشتدّت حدّة الأزمة صلب القطاع السياحي طيلة شهر جويلية وفي النّصف الأوّل من شهر أوت 2015 حيث سجّل تراجع نسبة السّياح الأجانب بأكثر من 50 بالمائة بسبب هجوم سوسة وكذلك جرّاء العمليّات الإٍرهابيّة التي شهدتها البلاد من وقت إلى آخر، وقد امتدّت شظايا العمليات الإرهابية الأخيرة، لتضرب قطاعات حيويّ أخرى ترتبط عضويّا بالسّياحة لا سيما النقل الجوي، حيث أعلنت شركة الخطوط التونسية، أن الاعتداءات الإرهابية أثّرت سلبيا على أدائها ومداخيلها، مؤكّدة أنها فقدت حتى الآن نحو ربع معاملاتها.

وقد أكّد العديد من المهنيين وقتها أنّ هذا الهجوم سيكون له انعكاس سلبي وكارثي على أحد ابرز القطاعات الداعمة للاقتصاد التّونسي، ويتوقع أن تصل خسائر القطاع السياحي جرّاء عملية سوسة خلال العام الجاري إلى أكثر من 1000 مليون دينار.

وأبرزت المعطيات أنّ حملة التّعاطف الدولية مع تونس بعد الاعتداء الإرهابي كانتّ مهمة، لكنها سرعان ما تلاشت، بينما بدأ الوافدون على تونس يبحثون عن وجهات أخرى. وأكدت وكالات أسفار تونسية أن مئات السّياح ألغوا حجوزاتهم وغيّروا وجهاتهم إلى مناطق أكثر أمنا، هذا الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبيّة فاقمت حجم الديون المتراكمة أصلا بالنسبة للقطاع.

توقّعات بإرتفاع حجم الدّيون إلى 4 مليار دينار

قدّرت “الشّركة التونسية للبنك” قيمة ديون القطاع السياحي المشكوك في استرجاعها بـ 1.4 مليار دينار بحسب القوائم المالية للبنك الذي حظي في جويلية 2015 بموافقة نواب مجلس نواب الشعب لضخ 757 مليون دينار في رأسماله من المال العام، وبحسب تقرير أوردته إذاعة تونسيّة خاصّة بتاريخ الثلاثاء 28 جويلية 2015 فإنّ “الشركة التّونسيّة للبنك” تستأثر بنصيب الأسد من إجمالي ديون القطاع السياحي المشكوك في استرجاعها، وبنسبة تفوق 95 بالمائة.

ويبلغ إجمالي القروض الموجهة للقطاع السياحي لدى هذا البنك العمومي نحو 1.7 مليار دينار منها 300 تُعتبر “قروض سليمة” فيما عجز البنك عن استرجاع 1.4 مليار دينار من المؤسسات الفندقية بالأساس. وللعلم فإنّ البنك المركزي التّونسي أصدر مؤخرا منشورا موجّها لجميع البنوك التّونسيّة، قرر بمقتضاه تأجيل خلاص أقساط القروض الممنوحة لفائدة المؤسسات الناشطة في القطاع السياحي بعنوان الأصل والفوائض والتي يحلّ أجلها خلال سنتي 2015 و2016.

كما يسمح المنشور للبنوك منح قروض جديدة استثنائية تسدّد على فترة 7 سنوات منها “سنتان إمهال”، وجاءت هذه الإجراءات الاستثنائية على خلفية هجوم سوسة الإرهابي، ويتوقّع أن ترتفع ديون القطاع السياحي بهذا القرار إلى أكثر من 4 مليارات دينار الحالية لدى البنوك الخاصة والعمومية.

وتتصاعد المخاوف من إمكانية ارتفاع حجم الديون المشكوك في سدادها، والتي بدأت وتيرتها تتقلّص خاصّة بعد دخول “السياحة الداخليّة” على الخطّ ومساهمتها في إنقاذ القطاع والمشتغلين به من الغرق في دائرة الركود والشلل التامّ.


السّياحة الدّاخليّة أنقذت القطاع من الإنهيار وأهله من الإفلاس

كشفت بيانات إحصائية أن نسبة إقبال التونسيين على الفنادق خلال صيف 2015، ارتفعت إلى نحو 80 بالمائة في عدد من المناطق السياحية، بعد أن كانت لا تمثّل سوى 12 بالمائة من روّاد الفنادق التونسية حيث ساهم انتعاش السياحة الداخلية في إنقاذ العشرات من الفنادق من الإفلاس.

وكانت وزارة السّياحة سارعت في أعقاب الهجوم لإنقاذ الموسم السّياحي بإقرار جملة من الإجراءات لتشجيع التونسيين على السّياحة الداخلية من ذلك تقليص تعريفة الإقامة في الفنادق بنسبة 30 بالمئة ممّا ساهم إنعاش السّياحة الداخلية حيث بلغ متوسّط نسبة التونسيين من مجمل زبائن الفنادق قرابة 60 بالمائة، ووصلت النسبة إلى 80 بالمائة في بعض المناطق السياحية بعد أن كانت لا تتجاوز 12 بالمائة خلال السّنوات الماضية.

ولم تقتصر نسبة الإقبال الكبيرة على الإقامة في الفنادق على “السّائح التونسي” بل شملت أيضا عددا من سياح البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا إضافة إلى السياح الجزائريين الذين توافدوا على تونس بشكل ملحوظ خاصّة في شهر أوت وخلال الـ 15 عشر يوما من شهر سبتمبر 2015.

أكثر من مليون جزائري زاروا تونس منذ بداية العام

نشرت إحصائيّات رسميّة تؤكّد أنّه في موفى شهر سبتمبر الفارط استقبلت تونس في الفترة الممتدة بين 1 جانفي و10 سبتمبر 2015 زهاء 4 ملايين سائح مقابل 5 ملايين سائح في نفس الفترة من السنة الماضية ارتفع عدد السياح الجزائريين بنسبة 17 بالمائة مقارنة بالعام 2014 ليصل العدد إلى أكثر من مليون سائح.

وأعلنت وزارة السياحة في بداية الصيف الفائت عن خطة لإنقاذ الموسم السياحي السلطات “تفعيل قرار منح التأشيرة على الحدود التونسية للمجموعات السياحية المنظمة القادمة من الصين والهند وإيران والأردن ومنح تأشيرة متعددة الدخول لفترة سنة كاملة” لرجال الأعمال والمستثمرين من تلك البلدان، الأمر الذي فسّره خبراء ومتابعون على أنّه سياسة تونسيّة جديدة نحو تعزيز الإنفتاح على الأسواق السياحيّة الكبرى وذات الكثافة العدديّة.

التّوجّه نحو الأسواق الصينيّة وعرض لرفع “التأشيرة”

سجّل في الفترة الأخيرة تحرّكات ما زالت تجريها وزارة السياحة من أجل استقطاب الأسواق العالميّة الكبرى من بينها السّوق الصينيّة المعروفة بأدفاقها السياحيّة والإستثماريّة الهامّة، ما تبرزه الزّيارة الرّسميّة الأخيرة لوزيرة السياحة سلمى اللومي رفقة كلّ من رئيس الجامعة التونسية للنزل ورئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار وممثل عن الخطوط الجوية التونسية بالإضافة إلى عدد هام من المهنيين التونسيين في قطاع السياحة، والتي أدّاها الوفد التّونسي لمدينتي ( بكين وشانغهاي ).

وقد تضمنت الزيارة 4 محاور أساسية تتمثّل في محور رسمي تمّ في إطاره توقيع اتفاقية تعاون وشراكة بين وزارتي السياحة التّونسيّة والصينيّة، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات الترويج والتدفق السياحي والتكوين والاستثمار فيما يصنّف المحور الثّاني على أنّه “ترويجي” حيث نظّمت وزارة السياحة التّونسيّة تظاهرتين تحت شعار “أيام تونس” بكل من بكين وشانغهاي بمشاركة وكالات أسفار ومتعهدي رحلات صينيين تم خلالها إمضاء اتفاقيات تعاون في مجال الخدمات السياحية والرّحلات.

وبالنسبة للمحور المخصّص “الإستثمار”، التقى الوفد التّونسي بمجموعة من رجال الأعمال وكبار المستثمرين الصينين في المجال السياحي في حين أفرد المحور الرّابع للزيارة إلى “النّقل الجوّي” حيث اجتمع الوفد التونسي بأبرز شركات النقل الجوي الصينية على غرار AirChina الناقل رقم واحد بالصين وشركة Hainan Airlines قصد بحث امكانيات التعاون لتحسين الربط الجوي بين تونس والصين وبعث خط مباشر يربط البلديين .

و قالت وزيرة السّياحة في لقاء صحفي لوسائل الأعلام الصينية إنّ ” تونس قد اتخذت مجموعة من الاجراءات والتدابير بهدف جذب السياح الصينيين والمستثمرين الصينيين في القطاع السياحي، ومن أهمها إعفاء السياح الصينيين الوافدين على تونس ضمن الرّحلات السياحية المنظمة والتي لا يقل عدد المجموعة الواحدة فيها عن 10 أشخاص من إجراءات تأشيرة الدّخول للتراب التونسي، وتوفير بيئة مناسبة للسياح الصينيين، من حيث الفنادق المناسبة والأكل الصيني وتوفير مترجمين من ذوي الاختصاص”. وأضافت الوزيرة أن “تونس سوف تبحث مع الجانب الصيني إمكانية الربط مع السياح الصينيين المتوجهين إلى بلدان أوروبية لأجل التحوّل لزيارة تونس خلال جولتهم”.

وللتذكير فإنّ السّياحة التونسية تعيش منذ اندلاع ثورة 14 جانفي 2011 حالة من الرّكود أثارت كثيرا من الجدل والحيرة خصوصا في صفوف رجال الاقتصاد وأصحاب الاختصاص في المجال السياحي، حيث اعتبر البعض منهم أن أزمة القطاع وقتية ناتجة عن فترة التوتر التي تمر بها البلاد ، في حين أرجعها البعض الاخر إلى خلل هيكلي عميق تعاني منه السياحة التونسية منذ سنوات.
وتعتبر السّياحة أحد أهمّ شرايين الاقتصاد التونسي، إذ تساهم بنسبة 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتضخ ما بين 18 و20 بالمئة من الدخل السنوي من العملات الأجنبية، إضافة إلى أنها توفر أكثر من 400 ألف فرصة عمل.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق