آراء

السباك يترشح أمام الوزير في مصر!!

ولا ننسى الوزير الدكتور فتحي سرور ابن حي السيدة زينب، والذي استمر نائباً عن تلك الدائرة لسنوات طوال، علاوة على بقائه رئيساً لمجلس الشعب لفترة تخطت العشرين عاماً، وكلنا نتذكر الراحل كمال الشاذلي، الذي ولد بمركز الباجور بالمنوفية، وظل نائباً عن أبناء الباجور لأكثر من عقدين من الزمن وذيعت شهرته السياسية، ومكوثه طويلا عضوا للبرلمان حتى صار أقدم نائب برلماني مصري ، ثم وزيراً لشئون مجلسي الشعب والشوري، ولم يفكر الشاذلي بأن يترك عضوية البرلمان لغيره من أبناء الباجور، حتى في أشد مراحل معاناته مع المرض، بل استمر – وقتها – في السباق الإنتخابي، حتى قبضة ملك الموت قبل أن يتحقق حلمه بعضوية دورة جديدة، وذلك قبيل موعد انتخابات 2010م بأيام قليلة !!

 ومثل هذين الوزيرين، وزراء وشخصيات كانت مهمة بالدولة، ووقتها حرصوا على أن يكونوا نواباً عن الدوائر الانتخابية التي ارتبطوا بها أو سكنوها لفترات طويلة، أمثال الدكتور محمد إبراهيم سليمان الذي كان نائباً عن دائرة الجمالية، والراحل طلعت السادات الذي وُلِد وتربي بمركز تلا بالمنوفية، وكان له الحظ في نيابة تلك الدائرة بالبرلمان لدورات انتخابية عديدة، وكذلك الراحل خالد محيي الدين الذي ظل نائباً بالقليوبية باعاً من الزمن، وكان أبرز رجال العهد الناصري .

وكان المصريون على رؤى وثقة بأن هؤلاء المسئولون الوجهاء، إذا ما تم إسناد عضوية البرلمان إليهم، سيمتلكون القوة السياسية والرأي الغالب والوساطة الخارقة لتذليل العقبات وتفريج الكُرب وتخفيف المِحن التي تلحق بأهالي دوائرهم، وتسهيل كل الخدمات لكل ذي حاجة ومطلب، لأن كل وزير برلماني يجمع بين حصانتين سياسيتين لكونه وزيراً وبرلمانياً في آن واحد، فالوزير البرلماني يعرض مطالب دائرته تحت قبة البرلمان ، سواء مشكلة في التعليم أو بناء مستشفيات أو مشروع للصرف الصحي أو حتى خدمة بتوظيف شخص من دائرته وغير ذلك، وأحياناً يكون الوزير الذي يعرض المشكلة، هو نفسه حضرة الوزير الذي يعطي تأشيرة بالموافقة علي حل وتسهيل الأزمة المطروحة، أو أن يعرضها على زملائه وأصدقائه من الوزراء المرافقين له بالمجلس، وبذلك يصير الأمر سهلاً للوزير البرلماني لأن يقضي الحاجات وييسرها بدرجة أسرع من النواب العاديين، الذين ربما يجدوا صعوبة فائقة في الوصول للوزراء، والحصول منهم على موافقات أو ضمانات لحل مشكلات  تخص دوائرهم  .

 وفي منتصف التسعينيات ترشح الوزير سليمان متولي وزير النقل والمواصلات الأسبق – كعادته – عن دائرة قويسنا على مقعد العمال، حيث وُلِد الوزير بكفر ميت العبسي إحدى قرى قويسنا، ووقتها فوجئ الوزير بظهور رجل بسيط ويُدعي الأسطى عبدالسلام السباك، وأن هذا الرجل يعلن ترشحه ضد الوزير، وكان هذا السباك من عزبة صغيرة اسمها الصُوَة ، وحينها أظهر السباك إصراراً شديداً على استمرار ترشيح نفسه على مقعد العمال ضد وزير النقل والمواصلات آنذاك، رغم أن سليمان متولي كان مُرشح الحزب الوطني الديمقراطي قبل أن ينهدم هرمه، وتذهب به الريح العاصف .

ولما علم الوزير المُرشح بأمر السباك، أرسل إليه، ليعرف منه دافع ترشحه المفاجئ ضده، فأخبره الأسطى عبدالسلام، بشىء من الصراحة وحُسن النية، عن أمله وحلمه بتوصيل خط تليفون أرضي لمنزله، مثله مثل باقي جيرانه ، وأخبره بأن أمر ترشحه ضده كانت الطريقة الوحيدة لأن يصل لشخص الوزير ويتحدث معه ، رغم أن السباك كان يعلم أنه لن ينجح أمام شعبية الوزير، ولن يحصل إلا على حِفنة من الأصوات ، قد يفوق عددها أصابع يديه بقليل .

كان الوزير يستمع للسباك البسيط، الذي يتحدث بلسان الفِطرة والأمانة، وكان في عجب وتبسُم من المطلب المتواضع من هذا الإنسان الزهيد، وعلى الفور أعطى توصيات للمختصين بسرعة تنفيذ طلب سباك عزبة الصوة التابعة لقرية الرمالي بقويسنا، كي يُرضي رغبته، ولا يكسر أمله الضئيل في امتلاكه لتليفون بمنزله، لأنه حقه كأي مواطن مصري، لتأرِخ دائرة قويسنا تلك الواقعة الظريفة التي كان طرفها، وزير خدوم بقامة وقيمة سليمان متولي والطرف الثاني هو إنسان بسيط المعيشة والمظهر والثياب، يكاد يشتكي لسان حاله من تلك المشاق التي يبذلها في صنعته كسباك ، حتى يحصل على ما ينفق به على أسرته، وما كان هدفه الحصول على رشوة من المال من الوزير الأسبق لكي ينسحب من الترشح ضده، ثم لم يكن طامعاً في شقة فاخرة أو راغباً في وظيفة ولو بسيطة لأحد أبنائه الذين لم يكملوا تعليمهم، وإنما كانت أقصى أمنياته، توصيل خط تليفون باسمه، ليشعر أنه بشر كباقي البشر، وإنسان له حقوق وآمال وكيان !! 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق