آراءمنبرالراي

فنّ التربية رؤية في إصلاح المدرسة التونسية “عدم اختزال الإنسان في الجزء الأصغر من ذاته”

جاء في تصريح لايمانويل كانط أنّ “التربية هي أهم وأصعب مشكلة تطرح على الإنسان” فمن بين الأفكار المركزية والأساسية عنده أنّ غاية التربية لا تكمن في تكوين الأطفال وفقا للحالة الراهنة المجتمعيّة ولا تنحصر أيضا في إعداد مواطن ناجح في حياته اليومية وإنما تكمن في “تمكينهم من تربية أفضل حتى يمكن لحالة أفضل أن تنبثق عنها في المستقبل أي وفق فكرة الإنسانية وغايتها الكاملة”.

ومن هذا المنظور وفي قراءتنا لما نصّ عليه في حدود القرن الثامن عشر نتبيّن أنّ التطوّر لم يحصل في المدارس التونسية إلى حدود هذا العصر.

فمن أهم الإصلاحات التي دعا إليها الفلاسفة إسناد التدريس إلى أشخاص أكفّاء والإحساس بالطفل على أنّه طفل إنسان له أنماطه الخاصّة في الرؤية والتفكير.

ولكن لنا أن نتساءل إن كان المدرسون في المدارس الابتدائية التونسية أكفّاء حقا ومتخصصين في التربية أم أنهم أشخاص لم يجدوا شغلا آخر؟ أو كانوا قد التحقوا بالمدارس لا رغبة ولا تكوينا فهل يتيح لهم ذلك تحقيق التربية على الإنسانية ؟  

إنّ المتأمل في ساحات الجامعات والمدارس والساحات العامة أيضا يجد الجميع يذكّر بانحطاط المدرسة التونسية وخاصة في إطار هذه الأزمة التي اجتاحت العالم.

إذ لا تنفكّ الأحاديث المترامية هنا وهناك عن تخلف المدرسة لأنها لم تؤسس لمنصات تواصل عن بعد وأطراف أخرى تنتقد معلمة الإنجليزية التي أخطأت في نطق بعض المفردات.

أحقّا ما ينمّ عن التخلف هو إنهاء السنة الدراسية لعدم القدرة على تأمين بنية الكترونية ؟ أم الأخطاء المرصودة لبعض المعلمين ؟ 

عبثا نسلط الضوء على هذه التفاصيل وعبثا ننتظر خلاص الجنس البشري من تحسين تدريجي للمدارس، فلا بد من إعادة إنشاء المدارس إنشاء كليا إن أردنا أن يساورنا الأمل في حصول شيء صالح ينبثق عنها. ذلك أنها مختلة في تنظيمها الأولي وأن المعلمين أنفسهم في حاجة إلى تلقي تنظيم جديد.

حقا فالمدرسة لم تعد في حاجة إلى هذا الإصلاح البطيء ما بين المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفايات ، فهذا التمشي البطيء وغير المدروس لم يحدث تغيرا في مخرجات المدرسة حتى لا نقول أنّ المدرسة التونسية لم تتجاوز عتبة التلقين وأنّ الاستراتيجيات التربوية “نحيفة” من حيث الإنتاج والآداء المنتظر.

فمسألة تربية الطفل لا تزال عالقة في تونس لا تزال متأثرة بمسألة الطاعة والحرية،  مسألة العقوبات في المدرسة ومسألة علاقة التربية بالدين.

فما تحتاجه المدرسة التونسية هو الرعاية والتكوين ليأتي لاحقا الانضباط والتعليم.

 علينا أن نعيد التفكير في طريقة تنظيم المعرفة.

من أجل هذا واجب علينا إزاحة الحواجز التقليدية من المعارف وتصور كيفية ترابط ما كان منها إلى حد الآن منفرطا ،علينا إعادة تشكيل سياستنا وبرامجنا التربوية، علينا أن نصون هذا التوجه إلى أبعد مداه من أجل أجيال المستقبل التي نتحمل أمامها مسؤولية كبرى.

فامتثالا لما قيل أنه يجب على المدرسة “عدم اختزال الإنسان في الجزء الأصغر من ذاته” ، نتحدث عن مدرسة منفتحة على كل جوانب الإنساني من ثقافة وتوجه وتفكير ووجدان وكيان.

مدرسة تفتح باب الحرية للمتعلم، حرية الفكر والتفكير. 

فالمدرسة لابد أن تنفتح على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليها منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن.

فهذا الاستحضار المجتمعي قوامه الخروج بالمتعلم من حيز القدرات العرفانية إلى تركيز كل ما هو سوسيو- وجداني وبناء شخصية الغد، ذلك المواطن الحر القادر على المبادرة والعطاء وتقديم الأفضل بل ذلك الإنسان الذي سيضيف جزءا من كينونته إلى الإنسانية ويحقق كونيته وإنيته بشكل مستديم.

لنتأمل حتما المشاريع التي يتم إنجازها بالمدرسة التونسية وتلك النوادي التي تتحول في أغلب الأحيان إلى ساعات مراجعة، هل هذه الأنشطة تستجيب لتطلعات المتعلمين أم هي اختيار حسب كفايات حتى لا نقول رغبات المعلمين ؟ 

فالأصل في الأشياء أن الإصلاح أعمق من تغيير منظومة تربوية أو برنامج أو حتى الكتاب المدرسي وكتاب المعلم. كما أنّ الإصلاح لايكمن في التخلي على ثقافة المراقبة والتأسيس للحرية البيداغوجي.

الإصلاح أيضا ليس بتأسيس بعض النوادي وادعاء الحداثة لأن المدرسة في النهاية ليس إلا مرحلة تربط ما بين المرور من العائلة إلى العالم والمطلوب هو حسن التأسيس للعالم.

 وبما أن العالم من صنع الفانين فإنه يبلى، وبما أنّه يغير سكانه باستمرار فانه معرض لأن يصير مثلهم.

ولذلك فمن أجل المحافظة على العالم من فناء مبدعيه وساكنيه يجب إصلاح ما فسد منه باستمرار، والمشكلة هي أن نربي بحيث يظل إصلاح الفساد ممكنا في الواقع…… إن التربية يجب أن تكون محافظة من أجل ما هو جديد وثوري في كل طفل.

فالتأسيس لمدرسة جديدة ولعالم جديد يرتبط بتعليم الأطفال كيف يفكرون.

فذلك يخلق مواطنين يعرفون كيف يتصرفون مع الأحداث والتطورات، ويحسنون التعامل مع الآخرين بما للآخر من كينونة ويدركون تواجدهم داخل البيئة أو المحيط الذي يحتويهم.”

إن تعليم التفكير يولد نساء ورجالا يشعون نورا ويفجرون حركة وطاقة وقادرين على البناء والعطاء وعلى إحداث التفاعل الحضاري بين شعوب الأرض وأممها.”

لو تطلعنا وعمقنا النظر في آليّات سير المدرسة لوجدناها متجردة من كل ما هو تربية مستقلة. إذ الأولياء من جانب يتدافعون من أجل مخرجات تشبههم والمعلمون كذلك والإداريون والمتفقدون أيضا بل والمجتمع برمته.

المدرسة التونسية هي في النهاية تجسيد لرغبات اجتماعية لا تحددها مقاييس قيمية ولا فنية مضبوطة. وتلك الرغبة الجامحة من قبل الأطراف المتعددة حسب رغبة كل منهم في تجسيد ذاته تحول دون التقدم الاجتماعي.”

ولهذا تسوّغ مدارس التربية مقاومتها للتغيير على أساس أنّ إعداد تلامذتها إعدادا مختلفا يسيء إليهم. ولكن ليست مدارس التربية وحدها تعلل مقاومتها للتغيير، فالمناطق المدرسية تلتمس الأعذار على أساس أن ناشري الكتب المقررة والنصوص لا يزوّدونهم ببدائل ملائمة، ويشير الناشرون بدورهم أنهم محاطون بدوائر التربية التابعة للولايات، وأن البحوث الصادرة عن مدارس التربية كفيلة بالدفاع عن مواقفهم” وهكذا سيبقى كل عنصر مساهم في بناء المدرسة وتحقيق عملية التربية والتعليم نفسه مثبتا في مكانة ولا حول له في التغيير. 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق