آراءتحقيقات

التونسية في مراكز قرار وكالات الأمم المتحدة… وخارج سياسات الدولة

سنة 2012، رشح المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية آنذاك المناضلة راضية النصراوي لتمثيل تونس في اللجنة الفرعيّة لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتّحدة. وصرحت النصراوي حينها أن حمادي الجبالي رئيس الحكومة استعمل حق الفيتو لترشيح سعيدة العكرمي زوجة نور الدين البحيري وزير العدل.

ومهما يكن من أسباب عدم فوز تونسية بالمنصب، فإن ذلك يفتح نافذة للتساؤل عن عدم وجود تونسيات في مناصب رفيعة في هياكل الأمم المتحدة ما عدا آمنة عويج التي تقلدت منصبا في اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة CEDAW لثلاث فترات متتالية في الفترة من 1990-2002.

سنة 2017، أصدرت منظمة المرأة العربية أصدرت كتابا حول “المرأة العربية في الأمم المتحدة”، وبالاطلاع على عدد النساء العربيات اللائي تقلدن مناصب رفيعة في الأمم المتحدة نجد أن المصريات يتصدرن القائمة ب 15 امرأة تليها السودان ب 12 امرأة ثم الأردن ب08نساء فالمغرب والجزائر وموريتانيا فليبيا لتكون تونس بذلك في المرتبة السابعة.

لم تكن وضعية راضية النصراوي منعزلة على تونسيات أخريات لأسباب عديدة، لعل أهمها التمييز ضد النساء وهو ما عبرت عنه السيدة آمنة عويج -عضو فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالتمييز ضد المرأة في القانون والممارسة في بلاغ صحفي نشر في موقع الأمم المتحدة بالفرنسية بتاريخ 24 جوان سنة 2000″ إن النهوض بالمرأة هو قضية شاملة، فالإرادة السياسية للحكومة لإدماج حقوق المرأة في جميع سياسات البلدان لا تبدو قوية كفاية. كما راهنت على أن النهوض بالمرأة هو أولوية وطنية، فتونس تعوّل وتراهن على المرأة التونسية حتّى تتبوأ المكانة الجديرة بها وهوما يساهم في مزيد إشعاع صورة تونس على المستوى الوطني والعربي و الإقليمي والدولي. آمنة عويج  تقلدت منصب في اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة  CEDAW لثلاث فترات متتالية في الفترة من 1990-2002.

آمنة عويج

وحيث أن المسار نحو مناصب رفيعة في الأمم المتحدة، ينطلق وطنيا إما تميزا في الخبرة لدى منظمات الأمم المتحدة، أو تقلد مناصب في المكاتب الوطنية ومنها إلى بلدان أخرى، فإننا نجد تونسيات في مستويات إدارة المكاتب الأممية إن داخل تونس أو خارجها. فنجد الدكتورة خديجة معلى، أستاذة القانون الدستوري والمستشارة الأممية، عضوا مفوَضاً في لجنة العشرين الجديدة عن النوع الاجتماعي والصحة في العالم. كفاءة نسائية لها بالخبرة والإسهام الفعال، سواء على مستوى المنتظم الأممي أو عديد الدول، في مختلف القارات، في مجال الارتقاء بالتشاريع التي تنصف المرأة والنوع الاجتماعي عموما وتمتن النسيج الاجتماعي.

خديجة معلى

تقلدت نرجس سعيدان خطة مدير مكتب الأمم المتحدة الإنمائي بأكثر من بلد ومنها موريتانيا وفلسطين، لتتنقل مؤخرا إلى الموزمبيق بعد سنوات في مقر الأمم المتحدة بنيوورك. وبعد أن كانت ليلى جودان، نائبة لممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في تونس، تمت ترقيتها لتكون ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في جمهورية إيران الإسلامية لتحل ريم فيالة، مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس. وبعد أن تقلدت عايدة غربال، مسؤولية برنامج حماية الطفولة بمنظمة اليونيسيف بتونس لمدة ست سنوات، تم الاستئناس بتجربتها لتكون المختصة في حماية الطفولة بمدغشقر. وفي نفس الخطة، كمسؤولة برامج، نجد منال اسطنبولي بالمقر الرئيسي لليونيسيف بنيوورك. ولا ننسى من تم الاستئناس بخبراتهن لإعداد استراتيجيات في بلدان أخرى إما بدعوة مباشرة من أحد هياكل الأمم المتحدة على غرار اعتدال مجبري التي قامت بإعداد الاستراتيجية الإعلامية لأكثر من مؤسسة عربية بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أو اليونيفيم (الذي أصبح لاحقا هيئة الأمم المتحدة للمرأة) وجازية الهمامي التي أعدت بدعم من الجهة ذاتها لإعداد استرتيجية تمكين النساء بالوسط الريفي السوداني.

نرجس سعيدان

كفاءات تونسية في أروقة الأمم المتحدة، لم يتسنى لنا تعدادها، فلا قائمة فيهن ولا مصدر يجمع تحولاتهن من مكتب إلى آخر ومن بلد إلى آخر. فقط مصادر شفوية يمكن أن تعلمك بوجودهن في مناصبهن تلك، أو بعض الإشارات في تقارير دولية دونما أسماء.

أين هن من قواعد البيانات

وإذا ما عرفنا أن بعضا من تلك المناصب الرفيعة  يتم الحصول عليه بعد تقديم الدولة التونسية ملفات الترشح وحشد المناصرين للتصويت، حري بنا البحث في كواليس وزارة الخارجية بحثا عن ضالتنا في جزء من الإجابة عن السؤال. لم نتحصل على أي معلومة  بتعلة انتشار وباء كورونا وغيرها من الأسباب، لكن السيدة هادية بلحاج التي قضت خمسة وعشرين عاما في أوقة الأمم المتحدة بنيورك وجينيف كمنسقة تنفيذية للصحة العالمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان وكمديرة للشراكة صلب برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وتنقلت بين مكاتب عديدة منها تنزانيا والصين أين كانت مديرة مكتب، وافتنا ببعض من الإجابة.

فوجود التونسيات في الأمم المتحدة  حسب هادية بلحاج، يكون في مواقع وسط، أما بالنسبة إلى مواقع القرار “فذلك يتطلب من ناحية تمكنا من اللغة الإنجليزية ومناصرة كبيرة من بعثاتنا الخارجية داخل الأمم المتحدة أو تلك التي في علاقة بها…وحسب ما أتذكر أن التونسيات الكفؤات والقادرات على تبوأ مثل هكذا موقع لم يحظين دائما بدعم من الدولة وممثليها في الأمم المتحدة”. ولعل ذلك ما يفسر عدم نجاح نبيهة قدانة في الظفر بمنصب إدارة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سنة 2010، رغم مسيرتها الإقليمية والدولية. ويكفي أن نعرف أنها عضو مؤسس ورئيس فخري لمجلس إدارة شراكة السكان والتنمية فيما بين بلدان الجنوب في مجالي التنمية السكان التي ضمت 24 بلدا من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تحصلت بفضله سنة 2008 على جائزة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  لجهود المجلس في مجال التعاون فيما بين بلدان الجنوب، كما صنفتها  “اإيرث تايمز” بين 100 رجل وامرأة أثروا على خطط التنمية الرئيسية في جميع أنحاء العالم، لندرك أنه كان يكفي طول نفس لخارجيتنا على مستوى المناصرة لتفوز بالمنصب.

و في لقائنا بالدكتورة عايدة ربانة المكلفة بمشروع وبرنامج التنمية في مكتب الأمم المتحدة الإنمائي في تونس PNUD منذ 2002 ،أكدت أن المرأة التونسية  موجودة في 17 هيكل في تونس تابع لوكالات الأمم المتحدة وهي مثال يحتذى به في العالم ، لها كفاءات تخول لها أن  تكون السباقة في كل المراكز القيادية لتمثل تونس في محافلها الدولية والإقليمية والعربية. وكانت عائدة واعية بمفارقة المناصب الوطنية والدولية “فالأمر محير إذا ما وجدنا أن  المرأة التونسية في مراكز القرار في وكالات الأمم المتحدة بالخارج قليل عكس مكاتب تونس”. وترجح أن من ضمن الأسباب يمكن أن تكون اللغة الإنجليزية الذي تعد الثالثة في بلادنا وأيضا والصعوبات التي تواجهها المرأة  في الانتداب”. وترى الدكتورة عائدة ربانة أنه “يمكن لوزارة  الشؤون الخارجية في تونس أن تتولى رصد قائمة أفضل الملفات الشخصية النسائية وتقديمها لمكتب الأمم المتحدة فترة الانتدابات أو بصفة دورية لمكتبي نيوورك وجينيف”.

عايدة ربانة

ومن خلال البحث، تبين لنا أن ما يزيد من عمق التساؤل هو أن الأمم المتحدة تخصص كوتا حسب الأقاليم والبلدان مع تمييز إيجابي للنساء على أساس الكفاءة المتساوية في مراتب عليا. كما أن الأمم المتحدة نفسها تخصص نفس النظام على مستوى هياكلها. فعلى المستوى التنفيذي، على سبيل المثال،  “يمكن تعديل اللوائح الداخلية للسلطة التنفيذية ومواقع القرار، من أجل ضمان وصول المرأة تدريجياً إلى المناصب السياسية والإدارية العليا، وذلك بنسب محددة وعلى فترات زمنية معيّنة”. وفي كل عرض شغل بالأمم المتحدة، يتم التنصيص على ” وتشجّع بشدة المرشّحات”.

ومع ذلك،  كان عدد  الموظفين في الأمم المتحدة سنة 2012 في الفئة الفتية فما فوق يبلغ 573 موظف منهم 490 يعتبرون دائمين يعمل 402 موظف في جنيف و88 في مكتب نيروك في 49 بلد . و في  مكتب نيويورك، مقر الأمم المتحدة، وصل عدد الموظفين  إلى 149 ،شكلت النساء 44% من الاعضاء ل172 في هيئات المعاهدات باستثناء اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة ، في التسعينيات كانت هنالك  ثلاث تونسيات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

ولا يعد ما سبق مجرد استعراض للمعطيات، بقدر ما هو وضع مسألة عدم وصول التونسيات إلى المناصب الرفيعة في الأمم المتحدة على غرار مثلا السعودية ثريا عبيد التي شغلت منصب  المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان والأمين العام المساعد للأمم المتحدة وكانت أول عربية رأس وكالة تابعة للأمم المتحدة، أو الأردنية ريما خلف التي شغلت منصب مساعدة للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة إقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمدة 6 سنوات.  

كفاءات دونما سند سياسي

للتذكير فالمرأة التونسية منذ التسعينيات حسب تقرير الأمم المتحدة “وصول المرأة إلى مناصب اتخاذ القرار اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة النظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب المادة 18 من الاتفاقية التقارير الثالثة والرابعة مجتمعة للدول الأطراف”، انتخبت في العديد من المحافل الإقليمية والدولية. فكان حضورها في وكالات الأمم المتحدة المتخصصة من خلال مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة فكانت عضو منذ عام 1997إلى سنة 2000، لمدة ثلاث سنوات في مجلس إدارة المعهد الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة. وتقلدت أمرأه تونسية وقتها منصب مستشارة لدى صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (بعد البحث لم نتوصل الى الاسم)، أما حضورها في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كان من خلال عضويتها وقتها  في مجلس إدارة المعهد الدولي لتخطيط التعليم التابع لليونسكو وتولت تونسية منصب المستشار الرئيسي للمدير العام لليونسكو لشؤون المرأة الأفريقية. (بعد البحث لم نتوصل الى الاسم). كما شغلت المرأة التونسية أيضا وقتها  منصب مستشار لشؤون الصحة الإنجابية لدى صندوق الأمم المتحدة  العالمية، هادية بلحاج.

سنة 2020، تم انتخاب التونسية نادية الخليفي مفوضة الشرطة من قبل الأمم المتحدة من بين عشرين امرأة تميزن بعملهن وموهبتهن والتزامهن في بعثات حفظ السلام ، وهي موجودة حاليًا في بعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا).

نادية الخليفي

فهل تعد بادرة انفتاح نحو نساء تونسيات أخريات خاصة إذا ما عرفنا أن أحلام العرفاوي الناشطة بالمجتمع المدني والخبيرة الدولية لدى منظمة الأمم المتحدة مكتب تونس، ترأس  الاتحاد الدولي للمرأة الإفريقية وهي منظمة تعنى بتنمية المرأة الإفريقية في كافة المجالات وتغطي 54 دولة افريقية و07 دول أوروبية وآسوية وأمريكية، وأن ، راضية النصراوي شغلت منصبا في اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة سنة 2014، مما قد  يعد ممر عبور للتونسيات نحو محطات أممية رفيعة.

أحلام العرفاوي
راضية النصراوي

وإذا ما عرفنا أن منظمة الأمم المتحدة تعتمد ست لغات من ضمنها العربية مع ترجمتين نصية وشفهية فورية من إحدى هذه اللغات إلى أخرى، ندرك أن “تعلة” اللغة تصبح واهية رغم التركيز الكبير في عملها على اللغة الإنجليزية.

إن تقلد مناصب رفيعة بالأمم المتحدة هو نتاج مسار متعدد الجبهات تتداخل فيه الكفاءة بشبكة العلاقات والإرادة السياسية والنفس الطويل، الأمر الذي يستوجب استراتيجية ديبلوماسية متعددة المداخل، منها على الأقل جرد للكفاءات النسائية في الهياكل الإقليمية والدولية، وأخرى من الممكن أن تكون في مناصب رفيعة تدافع عن ملفاتها الدولة بعد ترصد تلك المناصب. ولا تكتفي هادية بلحاج بذلك، بل إنها وهي صاحبة التجربة الكبيرة في أروقة الأمم المتحدة حتى إحاتها على التقاعد تؤكد “على ضرورة توجيه رئاسة الحكومة اجراءات سياسية لدعم ريادة التونسية في مراكز القرار الأممية والعمل مع البعثات التونسية التي يجب عليها تحديد الفرص واقتناصها وجمع السير الذاتية للمرشحات المحتملات والمرور بعدها إلى إرساء استراتيجية لوببينغ ومناصرة للحصول على هكذا مناصب”. ولعل في تصريح السيدة هادية إشارة إلى البلدان التي احتلت المراكز الأولى والتي من المؤكد أنها ناصرت بكل ما أوتيت من قوة ترشحات نسائها اللائي تبوأن مثل هكذا مناصب.

ومن جهتنا، لاحظنا أن مجرد  الوصول إلى إحصاء عددي،  يعد صعوبة كبرى لإنجاز هكذا مقال، علاوة على عدم توفر مصادر مهتمة بالموضوع أصلا، دون الحديث عن انعدام الدراسات حولهن. وما قامت به منظمة المرأة العربية في إصدارها المرأة العربية في الأمم المتحدة يشكل لبنة للاهتمام الوطني بالموضوع وتقصي أثر كفاءاتنا النسائية في مختلف هياكل الأمم المتحدة كخطوة أولى ومن ثمة العمل على إعداد قائمة كفاءات وترصد الفرص ومناصرة ترشحاتهن إن لم نقل الدفع بهن لتقديم الترشحات.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق