آراء

العراق إختار الطريق إلى الفوضى والحروب المتواصلة … الجزء الخامس

فعلا في ذلك الوقت كانت القوات الأمريكية تستعد للإنسحاب النهائي، وخلال حملة الاحتجاجات الجماهيرية في العراق لوحظ بشكل واضح التزام السفارة الأمريكية في بغداد إلتزام الصمت وهي تشاهد ذبح الديمقراطية واتخاذ الردع الصارم بحق من يعترض ضد حكومة ” نوري المالكي ” ، كانوا يراقبون الجماهير المنفلتة من هراوات وسكاكين البلطجية ورجال الشرطة والأمن ، كان الناس يهربون ويتسابقون لعبور نهر دجلة وهم يتركون ساحة التحرير ، التي تركوا في أرضيتها أحذيتهم ولافتات الاحتجاج وقطع من ملابسهم الممزقة والبعض يلعق جراحه بعد أن تلطخت الملابس بالدماء …

بحلول الخريف ، تحدث مكتب المالكي عن تورط – نائب رئيس الجمهورية – السني ” طارق الهاشمي ” في دعم فرق الموت الإرهابية ، ثم ظهرت قصص أخرى تمّ تداولها أضافت وزير المالية ” رافع العيساوي ” وكذلك رئيس البرلمان ” أسامة النجيفي ” ، تلك التقارير الحكومية قالت إن الثلاثة وغيرهم الكثير كانوا يتآمرون مع تركيا ودول الخليج النفطية لإسقاط نظام الحكم الجديد الذي يقوده الشيعة ، ولدى عودته من زيارته إلى البيت الأبيض في ديسمبر بمناسبة الانسحاب الرسمي لقوات الولايات المتحدة من العراق، أرسل المالكي قوات الأمن لاعتقال الهاشمي – لكنه تمكن من الفرار إلى تركيا وأحاطت قوات الأمن بمنازل المسئولين البارزين من السنة الذين يتواجدون داخل المنطقة الخضراء ، على أثر تلك الأحداث المرتبة ضد القيادات السنية ارتفعت شعبية المالكي لدى عموم الشيعة في العراق وإيران ومناطق أخرى ، واعتبرته بعض التقارير والمقالات بمثابة القائد الشيعي الأوحد والشجاع والقوي المتيقظ، ىلي الجانب الآخر حصل لدى السنة النفور التام من شخص المالكي وشجب إجراءاته التي يقوم بها والتي اعتبرت عدوانية وضد منهج الشرعية والدستور والوحدة الوطنية والديمقراطية ، هكذا تحدث القادة السنة مرات عديدة بمرارة وألم ، وقالوا ان المالكي صار يستخف بالجميع ويعمل على تجاوز دور المرجعية الدينية ، بعد ذلك صار السنة لاصوت لهم مؤثر وبعد الانتخابات التي فاز بها المالكي بدأت مرحلة الإقصاء والتهميش وظهر عامل جديد في تحول الأحداث نحو المواجهة العسكرية ، عندما تطابق موقف الأغلبية السنية في سوريا مع موقف الأقلية السنية في العراق ، كلاهما وقف ضد النظام الحاكم دفاعا عن مصالح طائفية ، بعد ذلك طرحت خطط وأفكار ذات توجه أكثر إيجابية للتغيير ، وللمرة الأولى صار السياسيون من أهل السنة يتحدثون عن خطط لإنشاء هلال سني يعارض ويدمر فكرة إنشاء الهلال الشيعي ، وتم رسم الخريطة التي اعتبرت ان قلب التحول الجغرافي السياسي يجب ان يكون في الجناح الغربي من أرض العراق حيث توجد الحاضنة السنية الكبيرة المعارضة ، وذاك يقود الى ردع المالكي وإضعاف حكومته وشلّ حجم الغارات التي تستهدف التكوين السني في تلك المناطق ، كانوا يعلمون ان خطط وصول السنة لحكم سوريا وسقوط نظام بشار الأسد سيقود بالنتيجة الى تقليص نفوذ النظام الشيعي في العراق وفي النتيجة الحتمية سقوطه ، وجعله يواجه حالة المواجهة العسكرية ، أنذاك في تفاصيل السيناريو ذاته يندفع نظام بغداد للقيام بالمزيد من الإجراءات والساسات القمعية وتصبح المواجهة أكثر طائفية ، نظام الحكم في بغداد كان يخشى من وجود مؤامرات دولية من قبل جماعات إسلامية سنية للاطاحة به …
في فبراير من العام 2003 سافرت إلى الأنبار لقضاء أسبوع مع الشيخ ” علي حاتم سليمان ” وهو يُعد زعيم كبير لعشائر الأنبار ، ومن أهم قيادات الصحوة التي واجهت تنظيم القاعدة ، والذي بدأ عمله منذ العام 2006 وقد عرض علينا صورا التقطها مع الرئيس ” جورج دبليو بوش وكذلك مع السناتور أوباما ” في حديثه الشامل معنا قال ، انه يساند الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكومة المالكي – تلك الاحتجاجات اندلعت قبل وصولنا بستة أسابيع وعلى أثر ذلك ارسلت حكومة المالكي قوات ضخمة لاعتقال الحرس الخاص لوزير المالية – رافع العيساوي – الشيخ علي قاد سيارته الخاصة – الجيب – وتحرك لعقد لقاءات مع شخصيات قبلية عشائرية ، كان واثقا من دعمهم ، قاد سيارته وبجانبه مدفع رشاش مطلي بالفضة مربوط الى حامل ،في جهوده تلك تمكن من حشد التأييد إلى جموع التعارض الذي صار يتعاظم ، كانت من أولى المطالب أن تقوم الحكومة بإطلاق سراح آلاف المعتقلين السنة من سجونها، ووضع حدّ للتمييز الطائفي ، كما وجهت الدعوة لزعماء العشائر الشيعية ومطالبتهم بالاحتجاج ضد سوء الإدارة والفسادفي حكومة المالكي ، كانت تلك الخطوة تهدف الى توحيد الجهود لدى الطائفتين في مواجهة التردي الناتج من السياسات الخاطئةوتعاظم المظالم الشعبية وإدانة أنتهاك الحرية من قبل قوات الأمن والجيش وفضح الفساد الحكومي بكل أشكاله ، لكن الحكومة لم تكن تريد التفاوض أو سماع تلك الاعتراضات أو حالات الاحتجاج وخاصة من زعماء السنة ، الشيخ علي استغل تلك المظاهرات بسرعة قبل حادث إطلاق النار الذي وقع في أبريل من العام 2013 على جندي عراقي قرب مخيم الاحتجاج في الحويجة ، وهي بلدة صغيرة على تخوم الحدود القريبة من كردستان العراق ، لم تتأخر الحكومة في ردها طويلا فقد وصلت وحدات من قوات النخبة وبأوامر مباشرة من رئيس الوزراء فتحت النار على المتظاهرين في مخيم الاحتجاج ، مما أسفر عن مقتل 51 من الذين كانوا يحتجون بينهم عددا من الأطفال ، وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين الحدث على أنه مذبحة وهي بمثابة عمل ثأري من القوى السنية المحتشدة ، على أثر ذلك غادر أغلب القيادات الجهادية المخضرمة تلك المناطق ، وتوجهوا للقتال مع المعارضة السورية ضد نظام الأسد ، استخدم حادث الحويجة لتجنيد المزيد من المقاتلين ، وجاءت أحداث المواجهات العسكرية بعد اسبوعين فقط من إطلاق اسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي يختصر إعلاميا باسم ” داعش ” وعلى أثر ذلك تمكن التنظيم من الاستيلاء على مساحات كبيرة من شمال سوريا وبدأت من تلك المناطق تشن الغارات العسكرية داخل الأراضي العراقية ، كما تمكن التنظيم من مهاجمة سجن ابي غريب وتمكن من إطلاق سراح أكثر من 500 سجين من المعتقلين السنة ..
في أواخر ديسمبر كانون الأول من العام 2013 نصب مقاتلون من داعش كمينا لمجموعة من العسكريين من قوات حكومة المالكي وتم قتل ضابط برتبة كبيرة وسبعة عشر أخرين ، تم ذلك في صحراء الأنبار، لم يتأخر رد المالكي وحكومته حيث أصدر أوامره باإلقاء القبض على النائب السني البارز ” العلواني ” والتخلص من مخيم الاحتجاج الموجود في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار ، حيث كان الشيخ علي حاتم يتواجد هناك يزاول نشاطه بحذر ، المالكي قال مبررا خطواته القمعية على أنها كانت ضرورية لوقف تمدد تنظيم القاعدة وتحجيم افعال التنظيم ولكن العكس هو الصحيح ، تلك الحملة القمعية أثارت الكثير من العداء لدى العشائر السنية ضد حكومة المالكي ، مما أدى إلى ظهور انتفاضة مسلحة عارمة أدت إلى إجبار مئات آلاف من العراقيين ترك منازلهم .. وتستمر المأساة في العراق …! 
” يتبع ” 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق