آراء

وطنٌ للبيــــــــــــــــــــــــــــــع؟!

اقترب مني وأخذت أتفحص وجهه المشرب بالحمرة وهو يتصبب عرقاً ويسيل على لحيته الكثة الغير مشذبة بانتظام, وهو يمسك بمروحته اليدوية (المهفة)كانت دشداشته القديمة قد امتلئت ببقع العرق من حر الصيف ,بسبب موجة الحر التي غزتنا قبل يومين , فيما كان جيب صدره مفتوحاً وبانت من خلاله شعرات صدره التي اصطبغ بعضاً منها باللون الأبيض ,قلت له:لماذا ؟! صمت وهو يلتقط انفاسه , ثم زفر زفرة أرادت أن تشق الأرض.

 ومضى يستطرد حديثه العقيم (هذيانه البائس)قائلاً:وتسألني وأنت ترى …أهذا حال بلد يملك البترول ويعد من أغنى بلدان العالم ثروةً… ثم استرسل بحديثه بعد أن رآني استمع له:في هذا البلد نقف طوابير في حر الصيف , أو في عز الشتاء البارد عند مراجعة دائرة حكومية , وكأننا نستجدي منهم رواتبنا وترويج معاملاتنا , بينما موظفوا الدولة ينعمون بهواء التكييف البارد وهم يضحكون ويقهقهون وتجد اغلبهن تدور العلكة في افواهن , الروتين يقتلنا ألف مرة يومياً, أما أصحاب البرلمان وكبار الموظفين يأخذون رواتبهم , يسافرون و يروجون معاملاتهم, دون عناء يذكر والعيد قادم وعيديتهم خمسة وعشرون مليون دينار عراقي وتجد الفقراء ليس لديهم قوت يوم يأكلون او ملبس جديد يفرحوا به بأيام العيد ,هم يسكنون القصور , ونحن نسكن الجحور وبيوت التنك , رواتبهم بالملايين ورواتبنا بالآلاف ,تصور أن راتب عائلة قريبي التقاعد العسكري .

 أو سميه ثمن تذكرة قتل أبوه في الحروب الطاحنة ….اخذ نفساً عميقة واستغفر ربه واسترسل قائلاً:حتى الشهادة مفهومها في بلدي يختلف حسب المزاج .

أما الكهرباء فحدث ولاحرج وترميشة الكهرباء هي رسالة (SMS)ليقيضنا إذا فكرنا في قيلولة للراحة ,لقد سلبت منا الراحة,ونسمع أن هذا العام سيكون عام الكهرباء,صدقني ياعزيزي لا أحد يفكر بنا , نحن الشعب المسحوق , فمن يسأل عنا نحن المساكين , إلا عندما تقترب الانتخابات ترى المرشحين يتسولون , يستجدون اصواتنا,وبعد أن نمنحهم أصواتنا , يتركونا …أو تلومني والماء مقطوع عنا…أو تلومني والحصة التموينية تأتينا غير كاملة مثل ناكوط الحب, والمسؤولون متفوخة أوداجهم , منفوخة كروشهم , وتصور إنهم يستلمون مثلنا حصة التموينية ,او تلومني والنفط غير موجود وحصتنا برميل أو اقل وأنا ابن العراق , أنا ابن بلاد البترول ونفطنا يسرق من داخل بلدنا أو من جيراننا ,أو تلومني وأبنائي بلا وظائف. لقد علقوا شهاداتهم على الحيطان ورفعوا أيديهم لرب السماء يشكون سوء حالهم وغيرهم يتوظف بالواسطة و والوسيط وبالورق (الدولار)ففي العراق لاقيمة للشهادة وحاملها ان لم يكن لك ظهر قوي وحزب قوي ….أو تلومني وأنا في بلادي أخاف من بلادي , أخاف أن اقتل بطلقة طائشة أو عبوة ناسفة , أو حزام ناسف يلتصق ببنطلوني ,أو سيارة مركونة على قارعة الطريق فتنفجر لتحولني إلى أشلاء مبعثرة ,أخاف من جاري على نفسي , أخشى أن اهجر وأنا داخل بلادي, أخاف إن خالفت احدهم رأيه أو فكره كفرني وحلل قتلي ويسبي عيالي بعد أن ينهب ويحرق داري ,إن دم العراقي ارخص من سعر البصل ,أو تلومني …وأنا أحس إني تائه في بلدي , حتى أصدقائي تخلوا عني , أنا غريب في وطني, والغربة تقتلني …أو تلومني وأنا أعيش السيادة المنقوصة , فأنا تحت رحمة جلادي ,هو متى أراد أن يسلب حياتي فعل دون اعتراض مني ,أخاف أن اشكي جلادي …أو تلومني والرشوة والفساد تعمان دوائر بلدي, يجب أن ارحل عن هذه البلاد , سأبيع حصتي من هذا الوطن؟!لأول مشتري ….وسأرحل بعيداً رغماً عني ,عيني ستكون على وطني ,قاطعته قائلاً:ليس هذا الحل ؟أجابني ومازالت ثورته البركانية قائمة:بل انه الحل الوحيد .

 لايمكن أن يعيش الجلاد والمواطن,اللص والشريف , الدكتاتور والحر, فإما أن يعيش الجلاد ويرحل المواطن , وإما ان يعيش اللص ويرحل الشريف,او يعيش الدكتاتور ويموت الحر على مذبح الحرية , فالخانة لاتتسع لإثنيين, أما نحن أو هم ؟.فاجأ صرخ الأطفال واخذوا يهرولون :أتت الكهرباء .ارتسمت الابتسامة على شفاهنا قال الشيخ المسن :اللهم صلِ على محمد وال محمد .وهم بالنهوض ,سمعنا صوتا : انقطعت الكهرباء ……قطب حاجبيه وردد:(نامي جياع الشعبِ نامي…..حرستك آلهة الطعام ) وذهب لبيته. ليلا حيث السماء تزينت بالنجوم وانا مستلقي على ظهري على سريري الحديدي المتعب بعد ان اجتاحتنا الشرجية مصاحبة بعاصفة ترابية بسيطة إضافة غالى أفواج من الحشرات المقرفة والتي غزتنا من كل حدب وصوب ,فكرت بكلامه كثيرا , وجدته على حق في كل ما قاله ولكن يجب أن لانترك بلدنا عرضة للصوص والمرتزقة والسياسيين , لن يستقبلنا احد , ولن نستطيع أن نتحرك ونتكلم بحرية تامة في غير أوطاننا .ثم ان كرامتنا ستهدر , علينا ان نقف بوجه المسؤول الفاسد ونثور عليه ونقلعه من جذوره , علينا أن نقف بوجه الصنيمات الصغيرة بعد أن أسقطنا الصنم الأكبر وان لانسمح بنمو الأفكار الدكتاتورية لكي لاتثمر , علينا ان نقف صفاً واحدا ونقول معا …لاللفساد الإداري , لاللتفرقة العنصرية , لا للطائفية,لالتقسيم العراق , نعم لكرامة الإنسان العراقي, نعم لحريته ,نعم لحقن دماء شعبنا, نعم للحفاظ على مقدساتنا , نع لوحدة وطننا , نعم لعراقنا الواحد الذي نعيش بظلهِ, ونشرب من ماء رافديه.وأخذت اردد بيت الجواهري الكبير : أنا العراقُ,لساني صوتهُ,ودمي…..فراتهُ ,وفؤادي منه أشطار. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق