آراء

التسوّل..بين الحاجة و الإحتراف

البلاد دون استثناء فلا يخفلى على القارئ أنّ هذه الظاهرة, أي ظاهرة التّسول أصبحت اليوم متزايدة بشكل رهيب يسترعي اهتمام المواطن التونسي .

فيرى البعض أنّ هؤلاء المتسوّلين مرغمين على توخّي مثل هذه السلوكات لكسب لقمة العيش و بقائهم على قيد الحياة. ظروفهم القاسية و الفقر الذي يواجههم .لم يتركوا لهم خيارا آخر يسلكونه كي يقاوموا ألم أمعائهم الخاوية كما يعتبرونهم مساكين و بؤساء سُيّروا لذلك و لم يُخيّروا. بينما يرى البعض الآخر أنّ التّسوّل اليوم أصبح مهنة يحترفها هؤلاء « المحتالون » و هم في الحقيقة يمتلكون أموالا طائلة تكدّس في البنوك, و منازل فخمة و أملاكا يحسدون عليها.

بل أصبح التسوّل في الآونة الأخيرة يُنظّم ضمن جماعات و مؤسّسات تقوم باستغلال الأموال و المساعدات التي يتحصّل عليها المتسوّلين خاصة منهم الأطفال لاستثمارها و المتاجرة بها في دواليب أخرى. فمن المشاهد العجيبة الغريبة التي أصبحنا نراها في الشارع التّونسي اليوم ; شاحنات ضخمة تنقل نساء و أطفالا منهم الرُضّع يلبسون « بذلة الشّغل » كما يسمّيها البعض, أطفال يكاد التشرّد و التّسوّل يخفي ما تبقّى من ملامح البراءة على وجوههم.

مشاهد مأساوية تمرّ عليها السّلطات و أصحاب القرار يوميّا دون اجراء جديّ و صارم يُذكر.

لا قانون ينظّم أو ينظر في خفايا هذه العادات التي أضحت يوميّة.

للنّاظر في هذا الواقع بعين ثاقبة عدّة أسباب يستنبطها فيفسّر بها ما يجعل هؤلاء المتسوّلين يملؤون شوارع البلاد; بداية تجدر بنا الاشارة الى أنّ احتراف التّسوّل منبثق أساسا عن تهميش في كثير من الجهات, بطالة فاتت نسبتها ال16 بالمئة و طبقية كرستها أنظمة استبدادية عنصريّة ممنهجة. ناهيك عن نهب للثّروات و للأملاك و الأموال العموميّة.

لا يخفى عن القارئ كذلك الدّوافع الاجتماعيّة التي تتمثّل في التّفكّك الأسري.

 فمجتمعنا اليوم أصبح يفتقر لمفهوم العائلة المتماسكة, فالطّلاق و العلاقات غير المحميّة هي التي تقف دون تأسيس محيط أسري منسجم يترعرع فيه الطّفل حاظيا بكافة حقوقه المشروعة. للبعد الثّقافي و المجتمعي أيضا دور كبير في ردع مثل هذه الظّواهر.

فدرجة وعي المجتمع عامل يحدّ بطريقة أو بأخرى من التّفشي الرّهيب لحرفة التّسوّل.

نحوصل فنقول أنّ للأبعاد السّالف ذكرها و غيرها من الأبعاد غير المباشرة دور في تزايد الاقبال على امتهان التحيّل و التّسوّل, و هنا نرى وجوب النّظر الجدّي و العاجل في المسألة. فالطّفولة تسرق و تغتصب أمام أعيننا دون المسارعة لانقاذها أو اتّخاذ اجراء ربّما من شأنه القضاء على هذه السّوق العشوائية. فهل سنرى تفاعلا من سلطات الاشراف في الأيام القليلة القادمة ؟ !

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق