آراء

الديمقراطية النيابية

1– برلمان منتخب لميقات معلوم:
فالمجالس المعيَّنة لا يمكن خلع الصفة النيابية عليها، وكذلك المجالس الاستشارية التي لا تتمتع بسلطات حقيقيَّة في إدارة شؤون البلاد، وتبدو ضرورة توقيت البرلمان في هذا النظام في تأكيد رقابة الشعب على مُمَثِّلِيه، وضمانًا لبقاء تمثيل أعضائه لإرادة الناخبين.
2 – تمثيل النائب للأمة كلها:
وذلك ليعمل النّوَّاب لمصلحة مجموع الأمة، وليس لمصلحة دوائرهم الانتخابية فحسب، وقد كان العمل قبل الثورة الفرنسية أنَّ أعضاء الهيئات العمومية وكلاء عن دوائرهم الانتخابية فحسب، وليسوا وكلاء عن مجموع الأُمَّة أو الشعب، فجاءت الثورة الفرنسية وقرَّرت تمثيل النائب للأمة جميعها لا لدائرته الانتخابية فقط، حتَّى لو حدث أنِ انفَصَلَتْ إحدى الدوائر الانتخابية عن إقليم الدولة؛ بسبب الحرب، فإنَّ نوَّاب هذه الدائرة لا يفقدون صفتهم النيابية؛ بل يظلون متمتعينَ بصفتهم النيابية عن الأمة.
 3– استقلال البرلمان مدة نيابته عن مجموع الناخبين:
ففي هذا النوع مِنَ الديمقراطية تقتصر مُهِمَّة الناخبين على انتخاب برلمانٍ يمارس السيادة النيابية عنهم، فلا يمارس الشعب حقه في السيادة إلاَّ مرة واحدة عند اختياره لأعضاء البرلمان، فإذا تَمَّ ذلك استقل البرلمان بالسلطة، ولا سبيل لجماعة الناخبين عليه في مدة النيابة.
مميّزات الديمقراطية النيابية
تقوم الديمقراطيَّة النيابيَّة على مبدأ الفصل بين السلطات، سواء أكان فصلاً تامًّا أو مشربًا بالتعاون، وقد ترتَّبَ على هذا الفَصْلِ عددٌ مِنَ المميزات نوجزها فيما يلي:
 1– منع الاستبداد وكفالة مشروعيَّة الدَّولة:
فتركيزُ السلطة يُغري بإساءةِ استعمالها؛ لما جبلت عليه النفس مِنَ الإسراف في مباشرة السلطة، وإساءة استعمالها إذا أطلقتِ القدرة، وغابت الرقابة.
كما أنَّ مشروعيَّة الدَّولة تتحقَّقُ بِخُضوعِ الجميع لِلقانون حُكَّامًا أوْ مَحكومين، ولا سبيل إلى ذلك إلاَّ بالفصل بين سلطات الدولة، ووَجْهُ ذلِك أنَّ الجَمْع بين سُلْطَتَيِ التشريع والتنفيذ في يدٍ واحدة ينفي عن القانون صفة التجرُّد والحيدة والعمومية، فقد تعدل السلطة التنفيذية في القوانين في الحالات الفردية التي يشوبها الهوى؛ بل قد تُنْشِئ لها القوانين إنشاءً ما دام لا رقيب عليها في ذلك ولا عتيد، كذلك إذا جمع بين سلطتي القضاء والتشريع في يد واحدة، أصبح القاضي طاغية، وقد تعدل القوانين أو تنشأ ابتداء في ضوء الحالات الفردية التي يشوبها الهوى، فتنتفي عن القانون الحيدة والموضوعيَّة كذلك، وبالمثل لو جمع بين سلطتي القضاء والتنفيذ في يد واحدة لما يؤدي إليه ذلك من انتفاء رقابة القاضي على عدالة التنفيذ وشرعيته، وتصبح الحرية بلا ضمان ما دام القاضي هو المُشَرِّع في الدولة، ولا مخرج من ذلك إذًا إلاَّ بالفصل بين السلطات حتى توقف كل سلطة طغيان الأخرى، إذِ السلطة تقيد السلطة، وحتى تتحقق مشروعية الدولة.
 2– حسن استعمال السلطة:
ذلك أنَّ تقسيم وظائف الدولة على هيئات مستقلَّة متخصّصة يؤدّي إلى إتقان العمل وإجادته من ناحية، ويحولُ دُون الطغيان والاستبداد بِالسلطة من ناحية أخرى، وذلك نظرًا للتخصُّص الذي يكفل حُسْنَ أداء العمل، والرقابة المتبادلة بين هذه السلطات التي تحول دون الطغيان والاستبداد.
عيوب الديمقراطية النيابية 
بالإضافة إلى ما سبق مِنْ أوجُه النقد العام التي تعرَّضت لها الديمقراطية بصفة عامة، فقد تعرَّض نظام الديمقراطيَّة النيابيَّة لعدد مِنَ الانتقادات العامَّة، نُوجِزُها فِيما يلي:
 1– أكذوبة التمثيل العامّ:
ففي القول بِتمثيل البَرْلمان للأُمَّة كلّها من المجازفات ما يجعله أقرب إلى الوهم والخيال منه إلى الحقيقة والواقع.
فمن ناحية تمثيل الأمة نجد أن أعضاء البرلمان لا يمثلون في الواقع إلاَّ فئة قليلة من الناخبين؛ لأنَّ نِسبةً لا يُستَهان بها من أصوات الناخبين لا تدخل في الحُسْبان، وهُمُ الذين امتنعوا عن المشاركة في العملية الانتخابيَّة، والذين أعْطَوا أصواتهم للمُرشحين الذين لم يكتب لهم الفوز في الانتخابات، بالإضافة إلى الأصوات الباطلة.
أمَّا من ناحية مُمارسة شؤون السلطة داخل البرلمان، فإنَّها تتمثَّلُ بِدَوْرِها فِي أقليَّة بسيطة من عدَدِ النّوَّاب؛ لأنَّ اجتماعات مَجْلِس النّوَّاب تُعتبر صحيحةً في الغالب، إذا ما توافر حُضُورُ الأغلبيَّة المطلقة لعدد الأعضاء (النصف + 1)، والقرارات بدورها تصدر بالأغلبية المطلقة لعدد الحاضرين، وهذا يعْنِي أنَّ جُلَّ قرارات المجلس تصدر بموافقة ما لا يزيد على رُبْع عَدَدِ أعضائه، فأين هذا من خُرافة التمثيل العامّ، وأكذوبة تحكيم الأغلبية؟! فإذا أضفتَ إلى ذلك أنَّ هذه القِلَّة الحاكمة تخلع عليها كلّ خصائص السيادة مِنَ الإطلاق، والسمو، والعصمة مِنَ الخطأ، واعتبار إرادَتِها مِعْيارًا لِلحقيقةِ المُطْلقة تُهدَرُ بِها قَواعِدُ الدين، وقواعِدُ الأخلاق، وكلّ ما تعارف عليه العُقلاء مِن قِيم، ومُثُل؛ لأنَّه إذا تكلم القانون يجب أن يسكت الضمير!
فهل يكون مِنَ المبالغة أن يقال: إن الأمر لا يعدو أن يكون استبدال طغيان بطغيان، إلا أنَّ هذا الطغيان الجديد يتوَارى خلف طلاء مِنَ الذهب، ويقبع وراء شعارات هي أقرب إلى الديماجوجية منها إلى العدل، والمنطق، والموضوعية؟!
 2– سيطرة الأحزاب:
فلا يستقيم هذا النوع مِنَ الديمقراطية إلاَّ بوجود أحزابٍ مُتعارضة، وهذا – فَضْلاً عمَّا فيه من تقسيم البلاد، وإشاعة الضغائن والأحقاد – ينال من استقلال إرادة النواب، ومِنْ تمثيل النَّائِبِ لمجموعة الأُمَّة لما يؤدّي إليه الالتزام الحزبي من إمضاء النَّائب لتوجّهات الحزب، وانْحِيازِه لآرَائِه ولو تعارضت مع الصالح العام؛ بل لو تعارضت مع معتقداته الشخصية، بالإضافة إلى تأثُّر النائب برغبات الناخبين طمعًا في إعادة انتخابه، الأمر الذي يجعله ممثلاً لدائرته، ويعمل لصالحها دون الصالح العامّ.
 3– تقليص دور الشعب في ممارسة السيادة:
ذلك أنَّ مهمَّة الشعب في هذا النوع مِنَ الديمقراطية تنتهي عند حدود اختيار أعضاء البرلمان، ثُمَّ يستقلّ البرلمان بعد ذلك بمُمارسة حقوق السيادة، وليس لِلنَّاخبين عليه من سبيل في مُدَّة النيابة، وهذا عكس ما تقضي به الديمقراطية الحَقَّة التي تُقرِّر السيادة للشَّعب، بالإضافة إلى رغبة معظم الشعوب في أن يُتاح لها قدر مِنَ المساهمة في الحُكْم بطريق مباشر، دون الاقتصار على مهمة اختيار النواب، وذلك بتقرير حق الاقتراح الشعبي، أو الحل الشعبي، أو الاعتراض الشعبي ونحوه.
هذا، وتتخذ الديمقراطية النيابية إحدى هذه الأشكال: 
* النظام البرلماني: وفيه تكون الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، وهو نظام يقوم على الفَصْل بين السلطات المشرب بالتعاون المتبادل، والرقابة القائمة بين مختلف السلطات، وركيزتاه: مسؤولية الوزارة أمام البرلمان، وحق السلطة التنفيذية في حل البرلمان، وتحكيم هيئة الناخبين عند الاقتضاء.
* النظام الرئاسي: وهو يقوم على مبدأ الفَصْل التام بين السلطات، وتتركز السلطة التنفيذية فيه في شخص رئيس الدولة، وتكون الوزارة خاضعة له، ومسؤولة أمامه.
*النظام المجلسي أو نظام الجمعية: وهو النظام الذي يستأثر فيه المجلس النيابي بجميع السلطات، وقد يمارسها بنفسه، أو عن طريق مُفَوضينَ.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق