دراسات وأبحاث

التقرير الختامي للندوة الدولية لمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان بسوسة

إفتتح الدكتور مصدق الجليدي المنسق العام للندوة، بكلمة ترحيبية وتأطيرية لموضوعها، ثم ألقى السيد المدير العام لمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة أ.د/ محمد الشتيوي ،كلمة ترحيبية بضيوف المؤتمر من خارج تونس وداخلها، ليحيل الكلمة بعده إلى ضيف الندوة السيد العميد رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الذي قدّم للحاضرين نبذة عن برنامج اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، والخطوط العريضة لاستراتيجيتها في مكافحة الجرائم الإرهابية التي تهدد سلامة وأمن مجتمعنا.

بعدها انطلقت جلسات الندوة التي تناولت موضوعا من أهم وأخطر الموضوعات التي تشكل تحديا على المجتمعات الإنسانية منذ أواخر القرن الفائت ولازال؛ إنه موضوع مقاربة ظاهرة الإرهاب من منظور العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد كان هذا التناول للموضوع المذكور من خلال خمس  جلسات بمقاربات ست على النحو الآتي:

  • المقاربة الدينية والسياسية. وترأس جلستها أ.د/ معتز محي عبد الحميد، وأ. محمد كمال الحوكي، مقررا.
  • المقاربة الإعلامية. ترأس جلستها د/ مصدق الجليدي، ود. عبد الله بالحاج، مقررا.
  • المقاربة الجندرية. بجلسة واحدة ترأسها  أ.د/ فريد قطاط، ود. سامية فطوم، مقررا.
  • المقاربة الثقافية.
  • المقاربة النفس – اجتماعية والتربوية. ترأس جلستها د/ محرز الدريسي. ود. صالح العجيلي، مقررا.
  • المقاربة القانونية. ترأس جلستها د. خالد الطرودي. وأ. عفيفة حمزة، مقررا

     اشتملت المقاربة الأولى ((المقاربة الدينية والسياسية)) على مداخلات ثلاث.

المداخلة الأولى: عنوانها: “الجهاد والجهاديون: لحظات التأسيس، والبناء العقائدي” قدمها الباحث بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة د/ عبيد الخليفي؛ ركز الحديث فيها على أن ظهور الإسلام الجهادي في ثوبه الحركي، كان نتيجة لضغط الدولة الوطنية على الإسلام السياسي، معتبرا أن سيد قطب هو المؤسس العقائدي للتنظيمات الجهادية، ثم بعده يأتي عبد الله عزام في أفغانستان، ثم يليهما أبو مصعب السوري منظّر تنظيمي القاعدة ثم الدولة الإسلامية “داعش”.

 ثم عرضت المداخلة الثانية، عنوانها “المقاربة الدينية في التصدي لخطر الإرهاب: دراسة في التجربة المغاربية” عرّف فيها صاحبها أ.د/  عبد العالي المتقي ، من جامعة ابن زهر بالمغرب ، المقاربة الدينية التي انتهجتها المملكة المغربية في التصدي لخطر الإرهاب، وهي مقاربة ترتكز على مداخل متعددة ومركبة أجملتها الورقة في ثلاثة مداخل مركزية هي:

المدخل التدبيري المؤسساتي: عبر هيكلة الحقل الديني، والتحكم في سلوك الفاعلين الدينيين من خلال مجموعة من المؤسسات. والمدخل التأطيري والتكويني: وذلك عبر تأطير أئمة المساجد، وتحقيق التواصل بين المؤسسات الدينية الرسمية والأئمة من أجل رفع مستواهم العلمي، وتوحيد خطابهم لينسجم مع توجّه الدولة العام. والمدخل الإعلامي: ويتم عبره تصريف مضامين الخطاب الديني الرسمي لعموم المواطنين.

وقد تحدثت المداخلة عن المداخل السابقة من خلال بيان سياقها التاريخي وعلاقتها بالأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب.

أما المداخلة الثالثة وعنوانها “الإرهاب: مقاربة دينية وسياسية في معالجة الظاهرة”، فعرض فيها صاحبها أ.د/ محمد الفاضل اللافي الاستاذ المحاضر بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة ، جذور نشأة الإرهاب حديثا في سياقيه الديني والسياسي، مقدما تصوّرا لمعالجتها من خلال البعدين المذكورين سلفا باعتبارهما سياقين تُعلّل بهما أسباب هذه الأزمة، بعيدا عن فوضى الفرضيات، ومنطق التآمر .  وقد قدّر الباحث بمداخلته أهمية فهم الواقع، وأثر ذلك في معالجة هذه الظاهرة التي تتداخل فيها عوامل متشابكة، عارضا إياها من خلال:

  مدخل نظري لتوصيف الظاهرة. والبحث في جذور نشأة الإرهاب حديثا، في بعديه الديني والسياسي. ومعالجة الإرهاب من خلال مقاربة دينية سياسية.

 أما المقاربة الثانية ((المقاربة الإعلامية))، فقد شملت مداخلات ثلاث، قدمها على التوالي كل من د. خديجة حسن جاسم من العراق وعنوان مداخلتها “دور وسائل الإعلام في مواجهة الإرهاب الإلكتروني”. ثم أ. كوثر جمعة، الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم الإنسانية بسوسة، وعنوان مداخلتها “الإرهاب والإعلام”. يليهما أ. محمد السويلمي، الباحث في الحضارة العربية، وعنوان مداخلته “في الإرهاب والإرهاب الإلكتروني: التباسات المفهوم وتقاطع المقاربات”. وقد تلخصت مداخلاتهم في الأفكار الآتية:

  • يمثّل الإرهاب الإلكتروني أحد أبرز التهديدات التي تستهدف أمن المجتمعات واستقرارها.
  • تطوير المنظمات الإرهابية العالمية من قدرتها على تطويع وسائل الإعلام، والتواصل الإجتماعي لصالحها.
  • اغتنام فرصة ثورة الإتصالات من طرف المجموعات الإرهابية المتطرّفة في تنفيذ عملياتها، والوصول إلى أهدافها، والترويج إلى أفكارها بوسائل عدة.
  • أصبحت بعض تقنيات التواصل، تمثل سلاحا خطيرا في يد الإرهابيين، والسبب يعود إلى سهولة استخدام هذه الآلية وقلّة تكلفتها.
  • وجود صعوبات في مواجهة هذه العمليات الإرهابية التي تتخذ من التقنيات الحديثة أداة لتنفيذ مخططاتها الإرهابية.
  • التركيز على تحديد مفهوم الإرهاب الإلكتروني، مع بيان أبرز أنواعه وخصائصه، وذكر العلاقة الجدلية بين ثورة الاتصالات والإرهاب، مع تحديد الأساليب والتوجهات التي ينبغي أن تلتزم بها وسائل الإعلام المتنوعة لمكافحة الإرهاب،

وخاصة الإلكتروني منه.

  • تعتبر “الشبكة العنكبوتية” بيئة تمكين لا أكثر، لأن للعنف الديني أرضيات أخرى تغذيه وينطلق منها.
  • إن مفهوم الإرهاب الإلكتروني أو الإفتراضي، وما اعتراه من تحولات ومراجعات وتناقضات تبرز نماء الظاهرة وتقلّبها في التاريخ، وبذلك ظهرت مقاربات شتى في دراسة الإرهاب تنتهي إلى تقديم تأويلات علمية مدروسة تفك ألغاز الظاهرة.

أما المقاربة الثالثة ((المقاربة الجندرية))، فتمثّلها مداخلة واحدة وعنوانها “الجهاد الأنثوي وسيلة لاستقطاب مقاتلي التنظيمات الإرهابية”، طرح بها صاحبها أ.د/ معتز محي عبد الحميد، مدير المركز الجمهوري للبحوث الأمنية والاستراتيجية ببغداد- العراق، رأيه بأنّ النظر في ملامح “الجهاد النسائي” لم ينل حظه من العناية، وأيضا معرفة الأسباب التي تدفع فئات من النساء من كافة بلدان العالم إلى الانتماء إلى تنظيم “داعش”، والقبول بالتضحية بكل شيء في سبيل الالتحاق بالتنظيم على الرغم من انتهاجه سياسة تؤسس لمجتمع ذكوري، لا مكان فيه للمساواة والحريات والمواطنة الكاملة مع النساء، متسائلا عن الأسباب التي تدفع السيدات من جنسيات مختلفة من العالم للانضمام لتنظيم “الدولة”، والعيش على أرضها برغم الظروف الصعبة التي تواجههن.

 ثم عرضت جلسات المؤتمر المقاربة الرابعة ((المقاربة الثقافية))، وقد شملت مداخلتين:

أما المداخلة الأولى ، فكانت من د. عمر عبد اللاوي، الباحث بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة، وعنوانها “الأسس الإيديولوجية للإرهاب الغربي المعاصر”، انطلق الباحث فيها من إحصائيات قامت بها جهات علمية غربية معتبرة ، كجامعة (ماريلاند) الأمريكية التي نشرت في قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، أن عدد الهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا ما بين عام 2000 و2013 ، يناهز 321 هجوما … وأن عدد الهجمات الإرهابية التي قامت بها مجموعات متطرفة غربية سياسية دينية أو انفصالية، تقارب 95% من مجمل هذه الهجمات، مقابل 17 هجوما فقط، أي 5% أصحابها لهم خلفية إسلامية. وأرجع صاحب المداخلة أسباب ظهور الإرهاب الغربي إلى انهيار منظومة المعسكر الشرقي التي تنامى ببلدانها الفكر المتطرف. وأيضا تنامى في أمريكا بسبب صعود اليمين الشعبوي للسلطة الذي كرّس بعض المفاهيم العنصرية المعادية للأجانب.

 المداخلة الثانية من المقاربة الثقافية، عنوانها “في استراتيجيات المعالجة الثقافية لظاهرة التطرف”، قدمها أ. أنور الجمعاوي، باحث بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة، حيث أشار في مدخلها إلى أن المعالجة الأمنية لظاهرة الإرهاب، غير كافية. ويرى صاحب الورقة البحثية أن المعالجة لابد أن تكون من منظور “أنتروبولوجي” ثقافي شامل، يفكك ظاهرة الغلو بطريقة عقلانية على نحو يسهم في إعادة بناء العقل وإنتاج ثقافة عالمة، واعية، ومسؤولة، وإعادة ترتيب علاقة العربي والمسلم بتراثه النصي والتاريخي، وإشاعة ثقافة التنوير، وتوظيف قنوات تشكيل الوعي الجمعي في نشر ثقافة الاختلاف والتسامح بديلا عن ثقافة التعصّب والرأي الواحد.

انطلق اليوم الثاني للمؤتمر بالمقاربة الخامسة وهي ((المقاربة النفس – اجتماعية والتربوية)) وقد شملت مداخلتين:

المداخلة الأولى كانت موسومة بعنوان “الإرهاب في عيون الأطفال: قريبا وبعيدا من بؤر الإرهاب” للأستاذة الباحثة د. كوثر السويسي المنسوبة لمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة، وقد اعتمدت في ورقتها البحثية على منهج علم النفس الاجتماعي لآثار الأعمال الإرهابية والصور الإعلامية، على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عاما، واعتمدت الباحثة على تقنية التداعي الحر، حيث أنها طلبت من أفراد عيّنتها الإجابة عن طريق الرسم عن سؤال: (من هو الإرهابي؟). وقد كانت الإجابات دالّة وعميقة، إذ أنها كشفت عن التأثير الخطير للأعمال الإرهابية على نفوس الأطفال.

       أما المداخلة الثانية، وعنوانها “التربية والتنوير الديني”، فبيّن فيها صاحبها د. مصدّق الجليدي، الأستاذ الباحث بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة؛ أن التنوير الديني يتلخّص في القطع مع الأوهام، والتحرر من سلطة الأصنام، وفهم العالم فهما علميا، يتكامل مع التسليم بصدوره عن خالق حكيم، ووفق نواميس ثابتة هي موضوع النظر العلمي. وأرجع الباحث في مداخلته أسباب ظاهرة الإرهاب من خلال مقاربته التربوية إلى النقص الفادح في التربية الدينية المستندة إلى أسس علمية، محتوى، وطريقة، وأسلوبا، وإفراط في اعتماد صيغة نصية حرفية للدين.

ويرى الباحث أن المطلوب اليوم هو اعتماد التنوير الديني في التربية والتعليم، بدل سياسة تجفيف منابع التديّن والروحانيّة، التي أدّت إلى تصحّر في الثقافة الدينية، وخواء في التجربة الروحيّة، وإعطاء سبب لتفاقم الظاهرة الإرهابية.

خُتمت مداخلات المؤتمر بآخر مقاربة وهي ((المقاربة القانونية))، وقد شملت مداخلتين اثنتين:

الأولى منهما  قدمها أ. بسام المكني، الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة، وعنوانها “الجريمة الإرهابية في القانون التونسي”، يرى فيها أنه من أوكد الضرورات أن تتكاتف الجهود، وتُوفّر الآليات الضرورية لوضع استراتيجية محكمة تأخذ بعين الإعتبار الجانب القانوني، حتى يقع تحقيق أكثر ما يمكن من أسباب نجاح فرص التغلب على هذه الظاهرة. وقد أجابت الورقة البحثية على السؤال المحوري الآتي: (إلى أي مدى نجح المشرّع التونسي في رصد آليات ناجعة كفيلة بمكافحة الجريمة الإرهابية، من خلال توسيع دائرة تجريم الفعل الإرهابي، وتكريس وسائل كفيلة بزجرها؟).

كما بيّن صاحب المداخلة أن هذا القانون، لا يتعارض مع قانون 2003 المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، بل تجاوز فيه بعض العيوب.

ثم خَتمت هذه المقاربة القانونية، المداخلة الثانية الأخيرة وعنوانها “الجريمة الإرهابية في ضوء قانون 2015″، قدمها أ. مكرم حمادي، الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة، مبيّنا أن قانون 2015 قانون متعلق بمكافحة

لا غير، خاصة في ما يخص الجريمة الإرهابية، من حيث تحديد معاييرها، وفهم آليات مكافحتها.

 أخيرا يخلص هذا التقرير الختامي للمؤتمر، إلى أن جميع المقاربات سعت إلى طرح ما تراه حلولا علاجيّة لظاهرة الإرهاب من وجهة نظر مجال تخصص كل مقاربة، دون تغاض عن التداخل والتكامل في ما بينها في معالجة ظاهرة التطرّف والإرهاب. كما أن هذه المقاربات نجدها مركّبة الفهم للظاهرة موضوع حديثنا. فكلّ منها يستفيد من بقية المقاربات حتى تأمن في تعاملها مع الظاهرة؛ السطحية، وارتكاب الخطأ في التعاطي مع المسألة وآليات معالجتها.

توصيات المؤتمر

  • ضرورة دعم الدولة والمجتمع المدني بجميع جمعياته، جهود “اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب”.
  • دعوة الإعلاميين إلى أن يستفيدوا في خطابهم حول ظاهرة الإرهاب، من طروحات المتخصصين، والمربّين، ورجال الثقافة.
  • عدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية لظاهرة الإرهاب، ودعم ذلك بمقاربة شاملة من ثلاث مراحل: (الوقاية – المواجهة – المعالجة).
  • ضرورة رصد أنشطة الجماعات الإرهابية، على شبكات التواصل الاجتماعي وتحليل محتوياتها، والاستراتيجيات المعتمدة فيها، والعمل على تكوين مجموعات عمل مميّزة من المفكرين وأساتذة الجامعات والخبراء في شتى التخصصات التي تهتمّ بالظاهرة الإرهابية، تكون وظيفتها تصنيف الأفكار الإرهابية، والرد عليها بأسلوب علمي ممنهج، وبما يتناسب مع المرحلة العمرية، والمستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي للمستهدفين.
  • ضرورة دراسة الحركات المتطرفة الغربية، والأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة، نظرا لعلاقاتها بالجماعات الجهادية بالعالم الإسلامي، وأيضا لعلاقاتها المتشعّبة بالأنظمة الديكتاتورية بالعالم العربي.
  • من المهم أن يستأنس أصحاب القرار السياسي بالبحوث والتوصيات، التي يقوم بها الدارسون المتخصصون، بناءاً على مقاربات متعددة.

في الأخير نشكر كل الحضور بمختلف مقاماتهم العلمية، والرسمية، ومنظمات المجتمع المدني، على مواكبة فعاليات هذه الندوة، راجين من الله أن يتواصل منا العطاء، ومنكم الحضور والتفاعل الإيجابي بإثراء الحوار والمناقشات. دمتم في حفظ الله.

مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق