دراسات وأبحاثمتابعات اعلامية

الشفافية في وسائل الإعلام التونسية

تطورت وسائل الإعلام بشكل تصاعدي بعد الثورة عكس ما كان عليه الأمر في السنوات الماضية، فهي تسعى على إختلافها إلى زيادة أعداد جماهيرها، وتوسيع إنتشارها فتستغل مختلف الوسائل لعرض محتواها الإعلامي بعدّة أنماط مُتنوِّعة، لترسيخ مبدأ الشفافية وبناء علاقة ثقة مع المتلقي  لتتمكن من تأدية مهمتها الإجتماعية بشكل فعال بعيدا عن مخاطر الإستقطاب.

إن الغاية من الإختيار المنهجي لموضوع التقريرالمنجز لوسائل الإعلام في علاقتها بالشفافية هو حوكمة المشهد الإعلامي في تونس ومراقبته وتسييره وفق معايير قانونية وهيكلة جديدة في إطار الشفافية .

إضافة إلى المراسيم المتعلقة بقانون الصحافة ،لقد تبنت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) تنظيم هذه الشفافية في وسائل الاعلام السمعية والبصرية الخاصة   لضمان إعلام مهني مسؤول للحد من مختلف أشكال الانفلات والفوضى،قصد تحقيق التنوع  في المحامل الإعلامية من خلال فتح باب الترشح للحصول على إجازات بعث إذاعات وقنوات جديدة خاصة  وفق شروط ومعايير شفافة وواضحة.

 الإطار القانوني لشفافية ملكية وسائل الإعلام

يعتبر مصطلح  شفافية ملكية وسائل الإعلام  من بين المؤشرات التي تساعد على تقييم إستقلالية المشهد الاعلامي وتعدديته.

وتنص كراسات الشروط التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وجوب نشر جملة من المعطيات تخول للجمهور النفاذ اليها بسهولة دون تعتيم .

يمكن لأيّ شخص طبيعي أو معنوي حامل للجنسية التونسية الحصول على رخصة لبعث قناة تلفزية أو محطة اذاعية خاصة ، فلا يجب أن يكون قياديا في حزب سياسي وأن لا تتجاوز الحصص المملوكة للأجانب في الشركات التي تديرالمؤسسات الاعلامية نسبة 49 %.

وتخضع كل عملية إحالة للملكية أو لحصص منها الى إجراءات التصريح والإشهار القانوني أوللترخيص المسبق وفق نوع وسيلة الاعلام.

من الضروري أن تخصص القناة الخاصة (الفصل 30)والإذاعة الخاصة (الفصل 32)مساحة على موقعها الالكتروني لفسح المجال امام المشاهدين والمستمعين لايداع تعليقات وملاحظات ومطالب الشكاوي .

لتعزيز شفافية الملكية لوسائل الإعلام فلا بد من نشر جملة من المعطيات التي من شأنها تسيير عملية التواصل بين المؤسسة الإعلامية والجمهور وهي:

العنوان البريدي ،إسم صاحب الإجازة ،إسم المدير المسؤول،إسم الممثل القانوني،الإسم الاجتماعي للشركة ،شكل الشركة ومدتها،رأس المال،مقرها،الموازنة المالية للشركة السنوية للشركة ،كراس الشروط والإتفاقية الممضاة مع الهايكا .

التعتيم على ملكية وسائل الإعلام التونسية مؤشرللشفافية الإنتقائية


على الرغم من الإلتزام القانوني بنشر بعض المعلومات المتصلة بوسائل الإعلام  نلاحظ شفافية انتقائية في المعلومات المتعلقة برئيس التحرير والرئيس المديرالعام تكون في معظم الأحيان متوفرة ، كذلك جل أسماء المالكين موجودة في السجل التجاري لكن المعلومات الخاصة بأسهمهم غير منصوص عليها بالضرورة.

حيث أن معظم المؤسسات الإعلامية في تونس إكتفت بنشر معلومات منقوصة أو إحالة المتصفح إلى روابط غير محينة تنقصها  معطيات حول هوية المسؤولين واقتصرت على الإدلاء بعناوين مقراتها الاجتماعية وعنوانا بريديا .

حسب ما أقرته دراسة لمراسلون بلا حدون وجمعية الخط  فإن” عدد من القنوات التلفزية في تونس بات مرتبطا بشكل مباشر أو غير مباشر بسياسيين أو بأحزاب سياسية بالرغم من وجود أرضية تشريعية تحجّر هذه الظاهرة.

كما سعت هذه المؤسسات سواء منها سمعية أو بصرية إلى تكوين صفحات رسمية على شبكات التواصل الإجتماعي لتحقيق أهداف ربحية تجارية و نسب مشاهدة عالية لمتابعة البرامج أكثر منه تحقيق شفافية التواصل مع الجمهور.

عند تصفح المواقع الالكترونية للمؤسسات الإعلامية نجد عددا قليلا منها فقط من يفصح عن هوية أو إسم المسؤول القانوني .

بالنسبة للصحافة المكتوبة  فهي تخضع لمنظومة إعلان مسبق لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا. وبالتالي ، هنالك جملة من القوانين  التي تنظمها وتضمن شفافيتها وهو المرسوم عدد 115 االمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر:
في القسم 3 من الأحكام  في الفصل23  ينص ” يجب على كل مؤسسة تصدر دورية ذات صبغة إخبارية جامعة أن تنشر على أعمدتها في كل عدد أسماء وألقاب الأشخاص الطبيعيين المالكين إذا كانت المؤسّسة غير متمتّعة بالشخصية المعنوية وشكل المؤسّسة واسمها الاجتماعي ورأس مالها ومقرّها واسم ممثلها القانوني وأسماء شركائها الثلاثة الرئيسيين ومدّتها، إذا كانت المؤسّسة لها صفة الذات المعنويّة، اسم المدير المسؤول ومدير التحرير،عدد النسخ التي تتولى سحبها عند كل إصدار.”

كما يجب أن تكون كل عملية بيع للأسهم مرخصة من قبل مجلس الإدارة أو هيئة المراقبة.

و كل عملية نقل للأسهم أو وعد بنقل هاته الأسهم  الذي يؤدي إلى أخذ ما لا يقل عن 20%  بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من رأس المال،يجب أن يعلن عنه في الصحف أو صحف المؤسسة المالكة للدورية المعنية بالأمر.

– تجريم استخدام اسم مستعار لحجب هوية المالك الأصلي للصحيفة الدورية.

-يجب الإعلان عن  كل عملية بيع أو شراء للملكية أو هيئة رصد صحيفة دورية سياسية أو صحيفة اخبارية جامعة بمجلس المنافسة.

حيث أن مراقبة احترام الشفافية في مجال الصحافة المكتوبة تعود لوزارة التجارة و مجلس المنافسة من خلال  الإحالة الذاتية أو بطلب من الجهات المعنية بهذا الأمر.  

أما الصحافة الإلكترونية في تونس غير خاضعة لقوانين تنظيمية متخصصة في المجال ، فإنشاء صحيفة الكترونية يكون بمعرف جبائي وسجل تجاري وتسجيل لاسم مجال من  إحدى شركات الانترنيت.

يمكن العمل بالمرسوم 115 في  الفصل 20 المنظم لمهنة الصحافة “يجب على كل مؤسسة إعلامية أن تشغل فريق تحرير لا يقل عدد أعضاءه عن ستة صحفيين محترفين وفي صورة مخالفة هذه المقتضيات يعاقب صاحب المؤسسة بخطية مالية تتراوح بين ألف وألفي دينار وتضاعف الخطية في صورة استمرار خرق مقتضيات هذا الفصل.


الإطار القانوني للشفافية المالية لوسائل الإعلام
تعتبر مؤسسات الإعلام في الوقت الراهن مشاريع إقتصادية  خاصة لرجال الأعمال حيث تستوجب إستثمارات ضخمة فمحطة إذاعة تقدر تكلفتها بحوالي مليوني دينار أو اكثر دون اعتبار تكاليف الحصول على ترددات والتي تقدر سنويا بمائة دينار .

كما هو الشان للقنوات التلفزية فهي ملزمة باقتناء معداتها التقنية ومصاريفها  الشهرية واستوديوهاتها التي .تتجاوز100 الف دينار و35 الف شهريا كلفة إستئجار قناة فضائية

ضبطت الهايكا في كراسات الشروط في الفصل 47 بالنسبة للمؤسسات التلفزية وللإذاعات الفصل 48  جملة من المبادئ التي تضمن شفافية الموارد المالية  للمؤسسات الاعلامية ،حيث أن المتحصلين على الإجازة في إحداث قناة او اذاعة مطالبين بتقديم معطيات محينة حول مواردهم المتأتية من الإشهار وخدمات الإرسياليات القصيرة أو أي مصادر اخرى للتمويل في كنف الشفافية المطلقة،إضافة إلى الإلتزام بنشر موازناتهم المالية بتاريخ 31 ديسمبر من السنة المنقضية.

إلا أن البيانات المالية فهي نادرا ما تعرض للعموم بما في ذلك وسائل الإعلام العمومية التي يصرح القليل منها برقم معاملاته أو يقوم بإيداع ميزانيته العمومية.

إذ أن الافتقار إلى المعلومات المالية لايدعم شفافية وسائل الإعلام ، وفقا لإحصائيات السجل التجاري، هناك تقريبا 20 في المائة فقط من الشركات تقوم بتقديم بياناتها المالية.

فلا يمكن تقييم مدى احترام المؤسسات الاعلامية لشرط شفافية مواردها المالية لاسيما ان جلها يتحفظون على معطياتهم بخصوص هذا الموضوع وهو ما يؤثر قطعا على استقلالية خطها التحريري.

شفافية الخط التحريري لوسائل الإعلام

في تقريرنا عن الشفافية في الخط التحريري لبعض الوسائل الاعلامية يمكن الجزم أننا لا نستطيع تقييمها إلا بدراسة محتوى برامجها الإعلامية التي يتطلب تعبئة موارد بشرية هامة ،حيث أقرت الهايكا ضمن كراسات الشروط وفي نصوص الإتفاقية الممضاة من قبل أصحاب المؤسسات الإعلامية الخاصة  جملة من المؤشرات تهدف إلى ظروف عمل مهنية  ملائمة  للصحفيين وهو ما يضمن بدوره إحترام لأخلاقيات القطاع الاعلامي .

وتجدر الاشارة أن  الفقرة 10 من الفصل الخامس من كراسات الشروط المتعلقة  بالترشح لإسناد الإجازة انه تلتزم المؤسسة الاعلامية بتشغيل الصحفيين  المحترفيين وفق متطلبات المؤسسة وان يتم تحديدهم ضمن اتفاقيات الإجازة الموقعة مع الهيئة  .

حيث أن عدد الصحافيين في مؤسسات الإعلام السمعي والبصري الخاصة من الحاصلين على بطاقة صحفي محترف لاتتجاوز 100% أغلبيتهم صحفيين متعاقدون( المرجع تقرير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ص 4 ماي 2014)

يخلص  التقرير إلى أن الإعلام بمخلف أشكاله  هو أحد أدوات التوعية لتعزيز سلوك المجتمع ومحاربة الظاهرة السلبية بالرسائل الإعلامية الهادفة لاسيما إن إقترنت هذه الوظيفة بالشفافية بإعتبارها عنصرا مساعدا وضروريّا لتعزيز الديمقراطية لتحفيز الجمهور لمشاركته في الشأن العام كمراقبا ومحاسبا.

المراجع:

-المرسوم 115 و116 لحرية الصحافة

-تقارير الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)

-الرائد الرسمي للجمهورية التونسية

-قانون حق النفاذ الى المعلومة

-دراسات وتقارير ومقالات صحفية وإحصائيات

تقارير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق