منبرالراي

الوصاية على الأقصى: جائزة تلوح إسرائيل بها أمام ممالك السلام

وليد حسني

لم يكن تأكيد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ان ” المسجد الاقصى ، كامل الحرم القدسي الشريف، لا يقبل الشراكة ولا التقسيم ” في خطاب العرش الذي القاه في جلسة افتتاح البرلمان الاردني التاسع عشر الجديد في العاشر من الشهر الجاري صادرا من فراغ بقدر ما يمثله هذا التأكيد من استشعار الخطر الأردني الذي يهدد المصالح الاستراتيجية الأردنية في القدس ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى الذي يحظى بالوصاية الهاشمية عليه وعلى باقي المقدسات الاسلامية والمسيحية.

اختصر الملك الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بأربعة ثوابت رئيسية هي”واجب، والتزام، وعقيدة ، ومسؤولية ” تمتد في التاريخ لمئة عام مضت في إشارة الى ربطها بعمر الدولة الأردنية منذ تأسيسها كإمارة ( 1921 ) وحتى الان ( 2020 ).

كلام العاهل الأردني لم يأت من فراغ مما دفع بالمراقبين لتأويله والذهاب به في اتجاهات مختلفة، فالبعض رأى فيه رسالة خاصة لاسرائيل أولا، ورسالة عامة لدول أخرى تريد منازعة الأردن على وصايته التاريخية على القدس، ورفضه لما يجري من سياسات اسرائيلية تستهدف العبث بالوصاية الهاشمية وتحويلها لموضوع جائزة لصرفها دول عربية اخرى ثمنا لتطبيعها علاقاتها معها.

في سنة 2018 حاولت السعودية التسلل للقدس وللمسجد الاقصى تحديدا من خلال تشكيل وفد من اهالي القدس لزيارة السعودية ولقاء ولي العهد محمد بن سلمان، وعبر وسطاء لتمهيد الطريق لدور سعودي لاحق في المسجد الاقصى.

وقبل ذلك أطلق البعض صورة للملك عبد الله الثاني وزعت في حينه على النواب والمواطنين كتب عليها( خادم اولى القبلتين وثالث الحرمين ) في إشارة إلى لقب ملوك السعودية ( خادم الحرمين الشريفين ).

هل ثمة حرب بين المملكتين يستعر لهيبها تحت الرماد؟.

سؤال يستحق الطرح والبحث، خاصة وان ثمة مراكز قوى جديدة بدات تظهر في خارطة الصراع على الحرم القدسي ومنازعة الأردن في وصايته الدينية عليه، فهناك المغرب، والامارات الى جانب السعودية.

الكاتب الاسرائيلي في جريدة”اسرائيل اليوم” نداف شرغاي قال في مقالة له نشرت منتصف الشهر الجاري ان حكومة اسرائيل تسعى من خلال التطبيع الى تحسين  مكانة المغرب والسعودية في المسجد الأقصى المبارك مشيرا الى أن “التقرب الإسرائيلي من السعودية إلى جانب التطبيع مع المغرب حليف السعودية، يخلقان محورا إسلاميا جديدا في الحرم القدسي”.

ويدرك الاسرائيليون اهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس التي نصت عليها اتفاقية وادي عربه بين الجانبين سنة 1994، واتفاقية 31 آذار مارس 2013 مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي جدد الوضاية الهاشمية على المسجد الاقصى، ولذلك يستخدمونها كورقة للضغط على الأردن الذي تعتقد اسرائيل ان الوصاية على الحرم تمثل بالنسبة للهاشميين أساسا مركزيا لشرعية حكمهم وإن إضعاف وصايتهم على الحرم سيضعف الاستقرار في المملكة ويعرض وجودها للخطر، خاصة بعد صفقة القرن التي فتحت الباب للمنافسة على الصدارة الاسلامية في الحرم بين الممالك الطامحة”السعودية، الامارات، البحرين “؟

هذا ما يعتقده الاسرائيليون وينقله نداف شرغاي في مقالته، ولهذا فان اسرائيل تقدم”جزرة المسجد الاقصى” لثلاث ممالك تنازع الاردن وصايته الدينية التاريخية عليه التي بدات منذ ان بايع الفلسطينيون الشريف الحسين بن علي الجد الأعلى للعاهل الأردني سنة 1924 وصيا على القدس وتكريسها تاريخيا على امتداد نحو مئة سنة.

في قطار التطبيع العربي الذي بداته الامارات والبحرين، والسودان، والمغرب مؤخرا، فإن اسرائيل نفسها ترى أن إضعاف الدور الأردني في الملف الفلسطيني وفي ملف القدس تحديدا يتاتى تحديدا من خل العبث بالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية في المدينة المقدسة، فضلا عن إدراكها لحجم الطموحات والأحلام التي تسيطر على خطط الممالك التي ترغب بوراثة الوصاية الهاشمية، سواء من خلال تسهيل شراء العقارات في القدس القديمة لصالح المال الخليجي السعودي الاماراتي البحريني تحت عناوين المراكز الثقافية والخدمات الانسانية، او لجهة عرض الوصاية الهاشمية على تلك الممالك كجوائز لتطبيعها علاقاتها المجانية معها.

ليس ثمة ما يقال هنا عن العبث الاسرائيلي غير كونه جزءا من بناء حاجز الصد الاسرائيلي لدور اردني أكثر تأثيرا وعمقا في حل الدولتين الذي يبدو وكأنه اعيد إحياؤه مجددا، وهو الحل الذي لا يزال اللأردن متمسكا به باعتباره الحل الوحيد للقضية الفلسطينية ولاقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

تدرك الممالك الحالمة بحصولها على دور بديل للاردن في الوصاية على المسجد الاقصى ان أي تحقيق لحل الدولتين سيخرجها من المنافسة وسيقتل احلامها، فيما درك الأردن أن أوراقه التي يلعب بها في الملف الفلسطيني لم تعد بين يديه بالكامل، إلا انه لا يزال يحتفظ في جعبته بــ “الوصاية الهاشمية ” وهي أخطر واقوى ما لديه للجم طموحات الممالك الأخرى التي تحاول عبثا وبدعم اسرائيلي واضح لمحاصرة الأردن واستغلال ظرفه الاقتصادي لجره لتقديمه تنازلات لا يمكن لأحد القبول بها او حتى مناقشتها..

من هنا تبدو مقولة” خادم اولى القبلتين وثالث الحرمين ” الملك عبد الله الثاني أمام مجلس النواب الأردني في العاشر من الشهر الجاري في مكانها تماما سواء لجهة توجيه بوصلة تاويلها للممالك الطامحة، أو لجهة اسرائيل نفسها التي لا تتمتع باي ود مع شريكها الاردني في السلام بغير الأوراق الموقعة بينهما..

وتبفى معادلة الثوابت الأردنية الأربعة تجاه المسجد الاقصى (واجب، والتزام، وعقيدة ، ومسؤولية  ) حاجز الصد الأردني في مواجهة الطامحين بشغل مكانته الدينية والتاريخية في المدينة المقدسة..

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق