آراء

يارب رمضان .. لا تحرمنا الغفران

كل عام ننتظر قدوم رمضان ، نعُد الأيام ونُحصي الليالي ، تدمع الأعين وتقشعر الأفئده عندما نرفع أيدينا ، داعين رب العباد أن يطيل في أعمارنا سنيناً أخري لنحيا إلي رمضان القادم .. دائما نشتاق إليه ، هذا الشهر الفضيل الكريم الذي جعله الله فرصة هائلة للتوبة والمسارعة في استغفارالغفارعن الذنوب وستر العيوب ، ومحو الآثام التي تصيبنا بفعل الشيطان ومطاوعتنا لوسوسته التي تهلك كل عاصي لله ، ولكن عفو ربنا دوما يحفظنا من أن نكون غرقي في بحور الشياطين ، تلك الشياطين العاصية التي تُصفَد رغماً عنها في أول ليالي رمضان .

 وكم تتسع رحمات ربي ، وتتفتح أبوابه للتائبين الطامعين في رحمته ، ثم يمتن علينا الوهاب ، كل عام بشهر تتكاثر فيه الحسنات ، لا ينتهي خيره ، ولا تتكاسل فيه الهمم ، بل تزداد فيه الطاعات ، تُؤدَي فيه الزكاة للفقراء والمساكين ، فيسعدوا ، وتسعد معهم قلوب من أدوا فريضة الزكاة عن أنفسهم وأولادهم ، إنه رمضان تلك الهبة الإلهية التي لا نحصي قدرها ، يهبها ربنا اللطيف بعباده ، وهوغافر الذنب وقابل التوب ، يرحم من يشاء في أول رمضان ، ويغفر لمن يريد في أوسط شهر الصيام ، ويعتق من النيران من أصاب رضاه  في آخر شهر القرآن  .

تعودنا منذ أن كنا صغاراً أن نذهب للمساجد مع أبائنا وأجدادنا الكرام ، إلي بيوت الله العامرة ، ولا أنسي ذكرياتي في مسجد آل عزام بقرية الرمالي بقويسنا ، كنا نصلي خلف الشيخ سليمان عزام ، وأحيانا الشيخ محمد  عبدالتواب ، نصلي معهم ، نقوم ، ونركع ثم نسجد ، وندعو الله ونطيل الدعاء في السجود ، نحاول الحفاظ علي صلاة السنَة مثلما نلتزم بصلوات الفرض ، لا نغادر المُصَلي قبل أن نختم الصلاة ، ونقرأ ما تيسر من القرآن مع رفقاء المسجد والقرناء والأحباء …

يأتي شهر الخير .. فتفرح قلوبنا وتقر الأعين بالمشهد القرآني الكريم ، ونحن جلوس ، كل يوم بعد صلاة العصر ، نقرأ القرآن ، فرادي وجماعات ،  نجتهد يوما بعد يوم ، نسابق ساعات الضيف الكريم ، لكي نختم قراءة القرآن كاملا ، ومنَا من يبذل الجهد ، ويستثمر الوقت كي يختم القرآن مرات عديدة ، والكل يبغي الأماني لنيل الثواب الأعظم قبيل رحيل شهر الإحسان .

نجلس قبيل أذان المغرب بنصف الساعة ، نستمع لقرآن المغرب ، وتطرب آذاننا بصوت قراء مصر أمثال الشيخ البنا والشيخ عبدالعزيز حصَان ، والقارئ محمد صديق المنشاوي ، ولا ننسي الصوت الملائكي للشيخ محمد رفعت ، وآخرون أولي فضل ، لا تنساهم ذاكرة إذاعة القرآن الكريم .

يمر الوقت ، ثم يرفع آذان المغرب جارنا الطيب الحاج إبراهيم عبدالتواب ، فنُعجَل بالفطر ، ونحمد الله علي فرحة الإفطار ، وإتمام الصيام ، ثم نصلي المغرب ، وننتظر حتي صلاة العشاء ، فنذهب للمسجد ونراه ممتلئاً بالمصلين شباباً ورجالاً وأطفالاً ، والنساء في مُصَلي النساء ، جاء المصلون جميعاً وأشتاتا ، يصطفون صفوفاً متساوية ، في مشهد رمضاني رائع ، حضروا لأجل صلاة العشاء والقيام ، طامعون في استبدال السيئات بالحسنات ، نادمون علي ما فات من زلات وتقصير في العبادات ، راغبين في الرحمات ، يصلون ويبكون ، ويدعون ربهم خوفاً وطمعاً في عفوِه وعافيته .

كان يأتي رمضان في الشتاء ونحن صبية صغار، نلعب بالفوانيس التي تُضيئها الشموع ، إحتفالاً منا بقدوم العريس التي تستمر أفراحه ثلاثون يوماً وليلة كلها بركة وطاعات ، وكان يوم رمضان قصير ، تمر ساعات نهاره سريعة لا نشعر بها ، فكان سهل صيامه ، ، أما ليل الشتاء فهو طويل ، وفرصة للعبد أن يقوم الليل ، ثم ينام فلا يشعر بتعب من نقصان ساعات نومه ، ثم تمر الأيام ويأتي رمضان في الصيف ، وكم كنا نخاف من الصوم والعطش في ذلك الجو شديدة الحرور ، ولكن الله لا ينسي عباده ، بل يعينهم علي طاعته ، فمنحنا سبحانه القدرة علي الصبر والتعود ، فصُمنا بعون الرحمن ، وما غضبنا من حر الأيام ، فكل أيام الله خير .

ننتظر رمضان كل عام ، لأجل صلاة التهجد مع إخواننا الفضلاء بمساجد القرية ، وكم نفرح بالتهجد والتذلل والوقوف كثيراً أمام الرحمن ، وبجوارنا الضعفي والمرضي ، يقفون تارة رغم آلام مرضهم ، ويجلسون تارةً أخري ، لا يشغلهم المرض ، بقدر ما يشغلهم نيل الأجر الوفير ، تحدِثهم أنفسهم أنه ما بقي في العمر قدر ما قد سلف ، الجميع يجتهد في العشر الأواخر من رمضان يبتغون أن تُصيبهم ليلة القدر في رمضان هذا ، أو يأملون أن يكون أصابهم خيرها في سنين رمضان التي انقضت ، فتصيبهم رحمة الرحمن ، فيسكنوا أعلي الجنان ، بفضل شهر الإحسان .

ساعات وينقضي رمضان ، فالقلوب حزني ، والأعين لا تستطع أن تحبس دموعها حزناً علي فراق المنحة الربانية بتكفير الذنوب ، وأملاً في تفريج الكروب وستر العيوب …  يتسائل السائلون – وأنا منهم – هل سنلحق برمضان آخر ، هل سنكون من بين الأحياء عندما يأتي رمضان في سنين قادمة ، الأنفس تبتهل ، والألسنة تشارك القلوب في الدعوات والأماني أن يبلغنا الله القدير ، رمضان أعواماً عديدة ، فلا ينقضي الأجل أو نُسلم الأرواح ، إلا وقد وهبنا الله ثواب رمضان ، فلا يحرمنا من نعمائة الواسعة ، ربنا إقبلنا ، وتقبل منا ، إنك سميع الدُعاء .  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق