الفكر

ثقافة التثقيف

واصبحت هاته الكلمة مفتاح عبور للعديد من الاماكن، واصبحت كدليل لا يمكن الطعن فيه لكي تثبت مكانتك بين الناس، حتى ان  وزارة التعليم العالي في نظامها الجديد ارادت ان تلغي تسمية شهادة الليسانس وتبدل تسميتها الى شهادة مثقف، لكن الاشكالية التي اصابت هؤلاء هو الغرور الزائد في هاته الكلمة لان كلمة مثقف ذات دلالة عظيمة في الاصل وليست لكل من نطق بحرفين متتابعين او كتب سطرين كاملين هو مثقف، حتى ان المفكر مالك بن نبي خص احد عناوين كتبه تحت عنوان ” مشكلة الثقافة” واعطى عدة تفاسير ومعاني وتعريفات لمصطلح الثقافة.

لكن في حقيقة الامر وفي عصرنا الحالي فقدت هاته الكلمة معناها وجوهرها الفعلي بسبب ما لحقها من ادران المدنسين ومن افعال المتثيقفين.

وممن يدعون الانتساب الى زمرة المثقفين، فليس كل من قال بيت شعر هو مثقف، وليس كل من كتب كتاب يعتبر مثقف، وليس كل خطيب وذو لسان فصيح يعتبر من المثقفين.

لأن الثقافة هي سلوك عملي يتبعه اداء علمي، فإذا لم يستقم السلوك لدى الفرد الذي يدعي هذا النسب الى الثقافة فهو ليس بالمثقف، لان السلوك والافعال هي التي تجعل من المتعلم بشكل عام مثال يقتدى به، فالامام اذا لم يكن صادقا تقيا ورعا، فهو ليس بإمام وانما يقوم بعمل كأجير لدى الشؤون الدينية وفقط، .

ولم ينطبق عليه هذا الوصف، والمعلم اذا لم ناصحا متخلقا ومربيا فهور ايضا لا ينطبق عليه وصف معلم وانما أجير يتقاضى اجره جراء فعل يقوم به وفقط، لهذا ليس كل من ادعى الثقافة واعتبر من اهلها نطلق عليه لفظ مثقف، فأول الشروط هو ان يتجسد في الفرد أخلاق الثقافة وهي الصدق والامانة والعفة وكل مكارم الاخلاق الحسنة.

فكيف لنا ان نقول للصحافي انه ذو ثقافة واسعة وهو يورد الاخبار الكاذبة والمزيفة ويخلط الحابل بالنابل، العديد من صحفيينا هداهم الله يجرون البلد في العديد من القضايا التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويتركون العديد من القضايا الاخرى الهامة، فهذا الصحافي ليس بمثقف ولا يمت بصلة الى الى الثقافة، لان الثقافة تجعل من الصحفي ذو مقدرة كبيرة على الاستيعاب والتحليل والحصول على النتائج الصحيحة وتجعله مدرعا لحجم المسؤولية التي على عاتقه في ميدان الاعلام وخدمة البلاد والعباد.

فهكذا تكون المهنة والثقافة قد صنعت منه فردا ناجحا وقويا في ميدانه، لان الثقافة ليست مرتبطة بميدان عمل او مهنة او حرفة او حتى هواية معينة، فالثقافة نجدها في كل هاته الافعال وهي التي تقوم بصقلها وجعل الفرد الذي يقوم بها متمكنا ومتمرسا وذو علم وفن يصلان به في الاخير الى نتيجة ناجحة.

وان ما يسوء الخاطر ويضجر الفؤاد هو افعال بعض المثقفين في بلادنا التي لا تمت بصلة الى طبيعة ابداعهم، فنجد مثلا الشاعر يتخبط في فلك النساء ولا هم له الى ان يجد عشيقة تلو العشيقة، ويتبعها بالقصيدة تلو القصيدة لكي يوقع تلك وراء تلك.

ونجد الكاتب و المؤلف يجري وراء المال وحب الظهور والبروز فيجعل من قلمه مصيدة للمال فتذهب كل الاخلاق التي كتبها في مؤلفاته وتسقط كل المعاني التي دافع عنها في كلماته وكل ذلك من اجل مبلغ تافه تفاهة عقله، ونجد المبدع والفنان يلهث وراء السلطة والمنصب فيبيع شرفه ويبيع مكانته مقابل ان يترأس قائمة حزب ما او ان يكون مواليا لفلان او علان في حملة انتخابية ما، فيغني اغنية بإسمة مقابل كرسي في مكان ما.

نعم هكذا حال من يدعون الثقافة في بلادنا حتى انه اصبحت كلمة مثقف في بعض الاحيان يصعب قولها في بعض الاوساط الاجتماعية لانها اصبحت دالة على النذالة وعلى “الرخس” وكل ذلك بسبب فئة ادعت انتسابها الى المثقفين فأفسدت الثقافة ولطخت جميع المثقفين.

انا في هاته السطور لست في هجوم على احد ولكنها الحقيقة التي اصبحت مرة في محيطنا، فشاهدنا الكثير من الملتقيات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات، التي تكون تحت عناوين براقة في ميدان الثقافة ولما تدخل فيها ترى العجب العجاب من اهل هاته الثقافة.

نعم فعلينا ان نثقف مثقفينا اولا و نعطيهم دروسا في الثقافة ومكانة المثقف وايضا ما معنى المثقف، ونصيحتي لهم ان يلتجئوا الى الكتب والمراجع التي تهتم بهذا الموضوع لعل وعسى ان تنفتح العقول ويصحى الضمير لديكم، لان ثقافتنا يجب ان تكون في سلوكنا قبل كل شئ، قبل ان تكون في ابيات شعرية او سطور نثرية او رسوم.

 فأدعوا كل من ينسب الى نفسه الثقافة ان يتحلى بما تحلى به اسلافنا من ثقافة او لا ينسب الى نفسه هذا الامر ويلتزم فقط بالهواية التي يشتغلها سواء كان شعرا او فنا او كتابة، فلقد اصبح مصطلح المثقف قناع يختفي وراءه العديد من ضعيفي النفوس وممن يريدون الوصول الى غايات غير نبيلة، فاتخذوا من هذا القناع مطية للوصول.

 وفي الاخير اقول ان هؤلاء ليست الفئة الغالبة وانما هي الفئة المتمكنة وللأسف، وعلى المثقفين الغيورين ان يكونوا اكثر حضورا واكثر قدوة وان يأصلوا اعمالا وافعالا لكي لا نقول ان كل المثقفين في عصرنا مثل بعضهم البعض، وان لا يجعلوا الثقافة مرتبطة بما يسمى لدنيا “بالشطيح والرديح”، فالمعلمين والمربين على عاتقهم الكثير في هذا الامر فهم من يبنون فكرة الثقافة الصحيحة والسليمة لدى الفرد.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق