زينوبة العرفاوي
بات من المتعارف عليه أن وعي الشعوب وعقليتها يحدد ماهيتها وطرائق عيشها، ويري المفكرون أن التقدم والتأخر عقلية بالمقام الأول، لذا فعند أي محاولة لتطوير المجتمع أو نقله من حالة حضارية أدني ألي أخري أعلي يتم التركيز علي العقلية، وتوعية الناس وتحسين ذائقتهم ليواكبوا التطور والتقدم. رغم أهمية الإمكانيات المادية واللوجيستية التي لا غني عنها لإستحداث بنية تحتية لائقة كإشتراط أولي لحالة النهوض والتطور، إلا أن الأهم هو تطوير البنية الفوقية( عقلية ووعي الناس)، فتونس رغم شح الإمكانيات وقلة الموارد لديها ظلت ولما يزيد علي نصف قرن نموذج حضاري للرقي والتقدم والتطور قياسا بدول الجوار العربي، كل ذلك بسبب إهتمام صناع القرار وواضعي السياسات في تونس بتطوير البنية الفوقية( عقلية ووعي الناس) عبر مسربين مهمين هما:
- تحسين ذائقة ووعي الناس من خلال نشر الفنون الجميلة والثقافة( المسرح – الفن – دور النشر- إذاعة – تلفزيون، …..الخ).
- نظام تعليمي حديث يواكب العصر ويستجيب للمتطلبات التنموية المحلية.
وظلت بلدنا ولما يزيد علي عقود خمسة إشعاع حضاري إقليمي يشار له بالبنان، إلي أن بدأ التردي والانحطاط الحضاري جراء تراجع وعي وثقافة الناس، خلال العقدين الأخيرين رغم ارتفاع المؤشرات التنموية والتحسن اللافت في البنية التحتية، وبلغ التردي حدا ينذر بالخطر خلال العقد الأخير لما عرف بثورة الياسمين!
إستئناسا بتجارب الشعوب الحية من حولنا في العالم، لا يمكن لتونس أن تنهض من كبوتها التي طالت دون الاهتمام من جديد بالبنية الفوقية، ويأتي في المقدمة المسرح والثقافة اللتان لا يتطلبان إمكانيات مادية ضخمة أو موارد كبيرة.
بوعرادة ستحتضن في أواخر جويلية القادم المهرجان المسرحي الجهوي، ومع هذا لا تمتلك مسرحا جاهزا لإستضافة هكذا فعالية. فالمسرح الموجود عندنا متهالك وفي حالة يرثي لها، وليس به حجرات تبديل للفنانين، والكراسي مهشمة ومكسرة والتواليت والحمامات غير صالحة للإستخدام البشري!
كلنا يعلم أن الفنانين والمشاركين في فعاليات المهرجان المسرحي سيرسلون مندوبيهم لمعاينة التحضيرات قبل المهرجان بأشهر، وفي حالتنا الراهنة لا أظن أن أي فنان محترم سيتجرأ للمشاركة في ظل عدم وجود مسرح لائق، في السنوات السابقة كان يتم إعادة تأهيل المسرح أسابيع قبل المهرجان بطريقة إرتجالية متسرعة لا ذوق أو دراية فيها، الأمر الذي إنعكس سلبا علي سمعة بوعرادة والولاية برمتها!
من هنا ونظرا لأهمية الموضوع، فإننا نضع المسؤولين أمام واجباتهم ونطالبهم وبصوت جلل، المسارعة في إعادة تأهيل وتهيئة مسرح بوعرادة وتوفير كل ما يلزمه من إمكانيات في وقت مبكر حتي يكون المسرح جاهزا لإستقبال المهرجان، وبطريقة لائقة.
المقولة الخالدة ” أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما” التي إختلف المؤرخون في نسبتها إلي فلاطون أو شكسبير، تظل معلم ونبراس علي أهمية المسرح في صياغة وجدان وعقلية الناس، وزراعة وتأصيل قيم ومثل الحداثة والتطور ، التي بدأت تتواري في المجتمع التونسي، مفسحة المجال للفكر الظلامي والإنغلاقي الذي مخرجاته داعش والقاعدة وكل طيور الظلام والموت والدمار.
