الدكتور خالد عبد اللطيف
إن الناظر الى المراحل الزمنية الماضية والحاضرة لهذا الوطن يرى أن أحداث الفتنة الطائفية لم تحدث الآن فقط، بل انها حدثت فى الماضى وفى الحاضر، وتكررت كثيرا، والخطأ فى مواجهتها وفى محاولة علاجها أن مواقف الجميع منها مواقف وردود أفعال، كلما حدث أمر، أنتفض المستنكرون وقام من ينكر ومن يشجب ثم تهدأ الأمور وتعود الحياة الى ماكانت عليه. واننا ندعو الى عدم الاقتصار على ردود الأفعال بل يجب أن تكون هناك خطة عمل، واستراتيجية حتمية على أرض الواقع، بحيث تجمع أبناء الوطن وتنقى المجتمع من الفتن والخلافات والأضغان وكل سوء وشر، حتى يكون الوطن آمنا مطمئنا. ولايتأتى هذا الا فى ظل منظومة عمل جاد ومخلص تتمثل هذه المنظومة فى معرفة كل مسئول وكل مواطن لواجبه الذى يقوم به. ونبدأ بواجب الحكومة والمسئولين لتوفير سبل العيش الكريم، والحياة المستقرة، ومشروعات عمل مشترك بين المسلمين والأقباط، واقامة العدل الاجتماعي، ومعالجة التمييز العنصرى والطبقى والدينى بين أبناء المجتمع.
وعلى وسائل الاعلام المسموع والمرئى والمقروء أن تتسع رقعتها لاستيعاب كل وسائل العلاج الحقيقى للفتنة الطائفية، والعمل على غرس أصول الوحدة الوطنية بين الجميع. وفى مقدمة القائمين بذلك العلماء والدعاة والكتاب ولننظر الى كتاب الله وهو يقرر الايمان بجميع الرسل دون استثناء حيث قال الله سبحانه وتعالي: (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله) سورة البقرة (285) ويوضح القرآن الكريم أنه لااكراه فى الدين حيث قال الله تعالى :(لااكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي) سورة البقرة(256).
ويرسى القرآن الكريم قاعدة التعامل فى الحوار مع اهل الكتاب، قال الله تعالي:( ولاتجادلوا أهل الكتاب الا بالتى هى أحسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذى أنزل الينا وأنزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون) سورة العنكبوت(46). كما وضح القرآن الكريم حقيقة شرعية مهمة حين أحل طعام أهل الكتاب لنا، وأحل طعامنا لهم، قال الله تعالي:(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) سورة المائدة(5).
ووضح رب العزة سبحانه البر بأهل الكتاب فقال الله تعالى (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة(8).
وقد بين رب العزة سبحانه أن النصارى أقرب الناس مودة للذين آمنوا فقال الله تعالي:(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون) سورة المائدة(82).
بل ان رب العزة سبحانه أمرنا أ ن نبلغه المكان الذى يكون آمنا فيه فقال الله تعالي:(وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) سورة التوبة(6).
ولابد أن يعلم الجميع مسلمين وغير مسلمين أن رب العزة سبحانه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكن الارادة الالهية قضت بهذا الاختلاف والتنوع قال الله تعالي: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) سورة هود(118 – 119).
واذا أخطرنا الى التطبيق العملى للوحدة الوطنية وعلاج الفتنة الطائفية نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر الى المدينة المنورة أبرم أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق بين المسلمين وغير المسلمين فى صحيفة المدينة التى شرط فيها لهم وشرط عليهم وكون من الجميع مجتمعا واحدا.
وفى التطبيق العملى للوحدة الوطنية سنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرهن درعه عند رجل يهودي، مع انه كان يوجد من الصحابة أغنياء يمكن أن يعاملهم بل يتمنى كل واحد منهم أن يعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مايريد ولكنه آثر أن يرهن درعه عند اليهودى ليبين للمسلمين جواز معاملة المسلمين لغير المسلمين. وقد طبق رسول الله صلى الله عليهم وسلم سماحة الاسلام مع غير المسلمين وبين حرمة النفس الانسانية، عندما مرت جنازة فقا لها فقالوا: يارسول الله انها جنازة يهودى فقال عليه الصلاة والسلام: (أو ليست نفسا) رواه البخاري. وحرم الاسلام قتل المعاهد الذى بيننا وبينه عهد أمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما) رواه البخارى.
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الظلم أو المعاملة السيئة لأحد من أهل الكتاب حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أو كلفه مالا طاقة له به فأنا حجيجه يوم القيامه) رواه البيهقي.
بل بلغت سماحة الاسلام وسماحة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما جاء وفد نصارى نجران وعندما أرادوا اقامة شعائرهم فى المسجد هم بعض الصحابة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمح لهم أن يؤدوا شعائرهم فى المسجد. هذه النماذج المشرقة فى صفحات الهدى الاسلامى تجلى لنا الحقائق الايمانية التى تحمل السلام الاجتماعى لأبناء الوطن، وتدعوهم الى الألفة والمودة، والى التعاون والمحبة، فلا يعتدى أحد على أحد، ولايظلم أحدا أحد، فكل أبناء الوطن لهم حقوقهم فى حياة آمنة عادلة مستقرة وعليهم واجبات لحماية الوطن واستقراره.
ومعنى هذا أن نشوب الفتنة الطائفية بين وقت وآخر مخالفة صارخة لتعاليم الاسلام وجميع الأديان.
وان واجب المجتمع مسئولين ومواطنين أن يعملوا على اطفاء نار الفتنة الطائفية، وأن يرسخوا قواعد الوحدة الوطنية حتى يأمن الوطن، ويعيش المواطنون فى أمان وفى استقرار واطمئنان.
وعلى المسئولين أن يقيمو ا مشروعات تنموية وشركات ومصانع مشتركة بين المسلمين وغيرهم ليكون فيها تجميع الطاقات وتشغيل الكفاءات والبعد عن المهاترات. واننا نوصى جميع أبناء الوطن بكل أطيافه وفئاته، وكل قواه وطاقاته أن يخصلوا لله تعالى وللوطن، وأن يسعوا جاهدين من أجل حياة أفضل ومستقبل آمن وأكمل، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولايتفرقوا، وأن يبتعدوا عن الفتن الهوجاء التى تهب على الوطن بين وقت وآخر، اللهم انا نعوذ بك من الفتن ماظهر منها ومابطن.
