تحقيقات

التعددية مصدر ثروة للمجتمعات ومصدر دمار في غياب التنظيم … الأقليات في لبنان.. مصيرهم وحقوقهم

تمثل لبنان نموذجا مميزا في وجود التنوع الكبير- الديني والثقافي- في تشكله منذ الأزل، حيث يتواجد في هذه الدولة 18 طائفة يعيشون فيها ويشتركون في اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والحقوق. لكن، يبقى السؤال هنا، هل تتمتع هذه الأقليات بحقوق متساوية؟ و ما أهمية التعددية الثقافية والطائفية للمجتمع اللبناني؟ وما هي الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا التنوع في لبنان؟ الإجابة في السطور القادمة.

المواطنة… توحد المجتمعات
أشار المواطن اللبناني إيهاب مرتضى إلى أن التحدي الرئيسي لوجود الأقليات والتعددية في لبنان هو “المحاصصة الطائفية” التي تشكل تهديد كبير للدولة وهذا الأمر يعاني منه لبنان منذ نشأته والسبب هو التعددية سواء الدينية أوالثقافية أوالفكرية، كل طائفة تريد حصة في المناصب العسكرية والسياسية، هذا الشيء أدى إلى انتشار الفساد بشكل كبير في لبنان، وبالتالي إذا أردنا محاسبة فاسد أو اتهامه سيكون اتهام لطائفته وهذا الموضوع جعل لبنان تتراجع يوما بعد يوم.
وأضاف مرتضى ” في كندا تعتبر السياسية الكندية وتعاملها بملف التعددية من أنجح السياسات التي تشجع على التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، بالرغم من أن المواطنين ينتمون للعديد من خلفيات دينية وثقافية مختلفة، وبالتالي هذا الأمر يحافظ على وحدة المجتمع وما تجمعهم هي المواطنة. بينما في لبنان حقوق الأقليات اليوم مصانة لكن النظام الطائفي هو الذي يضمن لهم حقوقهم وليس القانون، فالمشكلة هنا في لبنان أن لا أحد يريد التوجه نحو دولة عادلة تحفظ حقوق الجميع بغض النظر عن التعددية بكافة أشكالها”.
بينما قالت المواطنة اللبنانية سارة زعيتر أنها لا تؤمن بمصطلح ” أقلية” بل تؤمن بالإنسان وإنجازاته، مؤكدة أن المواطنة هي أساس تقدم المجتمع اللبناني ونجاح الاقتصاد الوطني، وغياب المواطنة هو غياب المسؤولية والوعي وحقوق الأفراد.

و حول التحديات التي تواجه التعدديات سواء الدينية أوالثقافية أو غير ذلك في المجتمع اللبناني، أشارت أنه لا يوجد تحديات تواجه التعدديات وإنما هناك فقط تحديات سياسية وأن كل الحروب والنزاعات التي تحدث من حولنا سياسية تماما.
المواطن اللبناني جبران نعيمة أشار إلى أن التنوع الثقافي والديني هو ما يميز لبنان عن غيره من الدول المجاورة، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الحريات التي يتمتع بها المجتمع اللبناني عن غيره من المجتمعات. على الرغم من ذلك هناك مشكلة لدينا هي التعصب لدى بعض الطوائف حيث أن كل طائفة تسعى إلى أن تتولى مناصب في الدولة وأن تكون جزء من الحكم، وهناك طوائف تعمل على إقصاء طوائف أخرى مما يؤدي إلى إثارة المشكلات والصراعات بين الأقليات وعدم المساواة في حقوقهم وغياب العدالة الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى غياب الحس الوطني بين الأفراد وتراجع البلاد بدلا من تقدمها وتطورها.

الاعتراف بالإنسان وكرامته هو مفتاح النجاح بين جميع الأقليات

أكد كمال المشرقي سفير النوايا الحسنة لحقوق الإنسان أن الاعتراف بالإنسان وكرامته هي مفتاح النجاح بين جميع الأقليات وقبول الاختلاف وتجاوزه بهدف ضمان العيش الكريم للمواطن اللبناني والسعي إلى ضمان العيش بسلام بتأصيل كل القيم السامية للتسامح ونبذ الكراهية، هذه المظاهرالإيجابية التي يتمتع بها لبنان وشعبه.

وعليه فإنه يجب العمل على توفير الضمانات القانونية اللازمة لإرساء قواعد العيش المشترك ونبذ كافة أشكال الخلافات والصراعات وحلها بطرق دبلوماسية تضمن العدالة والمساواة بين جميع الطوائف وتعزيز قيم حقوق الإنسان.
وحول ما إذا كانت التعددية بكافة أشكالها قيمة مضافة و إثراء وتطوير لثقافة حقوق الإنسان، قال المشرقي ” تعتبر التعددية مهمة لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية التي ضمنتها الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان وخصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثالا رائدا في تأصيل الحقوق واعمالها على أرض الواقع، لأنها أداة من أدوات إرساء قيم السلام والمحبة بين جميع الناس، وهي قيمة سامية لا يمكن أن تكن مصدرا لأي مظهر من مظاهر الأزمات التي قد تؤثر على تماسك الدولة، بل على العكس اعتبرها قيمة مضافة نحو التميز والنهوض بالدولة والمضي نحو برالأمان والخلاص من جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
وفيما يتعلق بدور منظمة حقوق الإنسان في حماية الأقليات من الاضطهاد قال المشرقي أن “ضمان حماية كافة الأقليات هي مسؤولية إنسانية تجاه جميع من يعملون في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني بالإضافة إلى دور الحكومة والمؤسسات الدولية في ذلك، ويجب العمل على توفير كافة الموارد للعمل على حماية هذه الفئات والتي تعتبر من الفئات الأكثر عرضة للتمييز والإقصاء.

بالتالي يجب توفير الضمانات الرئيسية لترسيخ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في التعامل مع الفئات المستضعفة والأقليات وأن يتم مراعاة التوزيع العادل للموارد والثروات ليعم على كافة الأفراد الموجودين في الدولة بغض النظر عن لونه أو عرقه أو دينه أو جنسه ورأيه السياسي وغير السياسي.”
وأكد المشرقي أن الأقليات هم فئات ضعيفة وهي أكثر الفئات التي تتعرض للانتهاكات في كل أرجاء العالم وأن حمايتهم مرتبط بحماية حقوق الإنسان، فالتعامل مع الأقليات هو جانب قانوني وأخلاقي في إرساء قواعد حقوق الإنسان وحرياته الأساسي. على الصعيد المحلي هناك الدستور والقوانين اللبنانية التي تعتبر ضمان لحماية حقوق الأقليات وحرياتهم الأساسية وكذلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أيضا تعتبر ضمانا واضحا لحماية حقوق الأقليات.

وأشار إلى أن لبنان طرف في ميثاق الأمم المتحدة والذي جاء على ركيزة تعزيز الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الإنسان. وأيضا صادق لبنان على عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وقدم تقاريره التعاقدية وهذه فرصة للحكومة اللبنانية للعمل على تنفيذ التوصيات والملاحظات الختامية للآليات التعاقدية وغير التعاقدية.
وأضاف بأنه لكي يستمر نموذج لبنان الرائع يجب أن تقوم على إزالة كافة التشوهات من إدراة ملف الأقليات وتحقيق العدالة والمساواة والحفاظ على الكرامة الإنسانية، ولا يجوز دعم أقلية على حساب أخرى فالجميع شركاء في بناء الدولة ونهضتها، وأنه يجب إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة للسير قدما نحو تعزيز الدولة وقدرتها على التعاطي مع مختلف الأحداث وتحقيق الحقوق والحريات الأساسية للجميع دون اسثناء.

الإعلام.. سلاح ذو حدين

قالت الدكتورة سحر خميس أستاذة الإعلام في جامعة ميرلاند الأميركية أن التعددية بكل أنواعها سلاح ذو حدين، فالتعددية الدينية والثقافية بلا شك تثري المجتمع اللبناني فكريا وثقافيا وحضاريا ومن الممكن اعتبارها ظاهرة فريدة من نوعها في المجتمع اللبناني فلا يوجد مثل هذا القدر من هذا التنوع المميز في كثير من الدول المحيطة بها وهذا الجانب المشرق لهذا التنوع. بينما الجانب الآخر للتعددية في لبنان أدى في بعض الأحيان إلى تأجيج نار الفتنة والطائفية والعرقية والحروب الداخلية والتنازع بين هذه الطوائف المختلفة والتناحر على القوة والنفوذ والسيطرة والحكم وما إلى ذلك.
وأشارت خميس إلى أن هناك أقليات في لبنان قد تكون أقل حظا من غيرها في الحصول على الموارد أو التعليم أو فرص الحصول على مناصب أفضل. فالحكومات عليها عبء كبير ودور في إيجاد فرص عادلة لجميع الطوائف والأقليات .

بحيث لا يكون هناك تهميش لفئات معينة دون أخرى أو إبعاد أو إقصاء لهذه الأقليات. في ذات الوقت، هناك دور للمجتمع المدني لمساعدة هذه الأقليات وإتاحة فرص عادلة في محاولة لملئ بعض الفراغات التي لا تستطيع ربما الحكومة وحدها بأن تملأها، وبالتالي نجد أن أهمية التنظيم على المستوى الشعبي والجماهيري وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني أيضا هو دور هام ومسؤولية مشتركة، وغياب هذا الدور في كثير من البلدان العربية يؤدي إلى تفاقم مشاكل الفقر والتخلف والأمية وما إلى ذلك. فالتنوع من سنة الله – سبحانه وتعالى- في الكون، فلا يجب أن ينظر إليه على أنه خطر بقدر ما ننظر له بأنه ميزة وثروة، لكن هذه النعمة تتحول إلى نقمة في غياب التخطيط والتنظيم والفهم والوعي ولذلك تتحول إلى حروب ونزاعات.

لذلك يكمن التحدي الأكبر في كيفية الوصول إلى وطن متجانس؛ والتجانس هنا لا يعني التشابه أي أن يكون جميع الشعوب صورة متكررة لأن هذا ليس من سنة الله – سبحانه وتعالى – في الكون، وإنما سنته في الكون الاختلاف في قوله: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) } سورة النحل: الآية 93{ فالاختلاف بين الشعوب أمر طبيعي، لكن كيف أوظف هذا الاختلاف لخلق وطن قومي وصحي يتعامل فيه الجميع معاملة عادلة وبمساواة وفيه وعي وفهم صحيح واتحاد بين جميع افراده هذا هو التحدي الذي يواجه لبنان ويواجه العالم العربي عموما لكن بدرجات متفاوتة.
وحول دور الإعلام اللبناني الذي يلعبه في قضية التعددية الدينية والثقافية قالت خميس: ” أن الإعلام له دور مزدوج فهو صانع لما يحدث وفي نفس الوقت مرآة يعكس ما يحدث على أرض الواقع أيضا، بالتالي الإعلام لا يمكن أن ينفصل عن الواقع السياسي والاجتماعي فهو جزء منه.

فعندما يكون هناك انخفاض في مستوى الوعي والثقافة لدى الجمهور ينتج إعلام ضعيف واعلام إما مأجور أو مسيس وإما يخدم مصالح فئات معينة بهدف تأجيج نار الفتنة والطائفية. لكن عندما يكون هناك ارتقاء حضاري وثقافي وتعليمي في المجتمع يكون لدينا اعلام أفضل، فالعملية كلها مرتبطة ببعضها البعض.

أيضا تدريب كوادر من الإعلاميين المثقفين لديهم درجة كبيرة من الوعي والثقافة والتعليم هو صمام أمان لأي مجتمع، لأن الإعلام بالكلمة يستطيع أن يصنع مجتمع وبكلمة يستطيع أن يدمر مجتمع، وهذا ما أشار إليه باول غوبلز وزير الإعلام في عهد هتلر في عبارته الشهيرة:” أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي”، وهذا ما نراه الآن في كثير من البلدان العربية حيث يلعب الإعلام الهدّام دور كبير في زيادة هوة مساحة الاختلاف والصراعات في نشر الفتن ونار الطائفية وبالتالي هو يهدم بهذا الدور ولا يبني”.
وختمت خميس حديثها حول ضرورة وعي الحكومات والمجتمع المدني لتقليل الفجوة بين هذه الأقليات لكي يكون هناك رؤية مستقبلية وخارطة واضحه للبنان أفضل وأقوى وأكثر جمالا وتنوعا وتثقفيا وتعود إلى ما كانت عليه في السابق في الدور القيادي والحضاري الذي عرفت به، ولكن لن يحدث ذلك إلا إذا اتفقت الحكومات مع المجتمع المدني من أجل زيادة الوعي، فتوعية المجتمع هي مسؤولية كبيرة وبدون التعليم والتثقيف لا يستطيع المواطن أن يفهم أن التنوع ثروة كبيرة يجب الحفاظ عليها واستثمارها.

القوانين المدنية هي الحل الأمثل

الإعلامية اللبنانية والناشطة الاجتماعية والنسوية نادين جوني قالت أن” المجتمع اللبناني ربما يتميز فعلياً بالتنوع الثقافي والاجتماعي والديني مما يجعله بلد يتمتع بميزات كثيرة عن غيره من الدول المجاورة. هذا التنوع ساهم في بناء المجتمع وتطويره في المجالات الثقافية، الا أنه على الصعيد الإجتماعي له تأثيرات سلبية منها الطائفية والتمييز على أساس الحقوق والواجبات، و تفاوت الفرص بين الكفاءات و انتشار الفساد. وأضافت جوني كناشطة نسوية تعمل على قضايا تحقيق العدالة بين النساء، أرى أن القضايا تنقسم وفق التمييز الحاصل على أساس الطائفة، مما يجعل حقوق النساء تختلف بين فئة اجتماعية أو دينية وأخرى، وذلك لغياب قانون مدني موحد يحقق المواطنة وليس الفرز.”
وفيما يتعلق بموضوع الأقليات وحقوقهم قالت جوني أن الأقليات تعاني غالباً في بلدان كثيرة من تفاوت في حقوقها، وبرأيي لا تحفظ حقوق الأقليات ضمن قوانين فيدرالية تقسم المجتمعات على أسس أفضلية بين الفئات الأقوى، وهنا تقع الأقليات بين المححاصات والتقسيمات، لذا القوانين المدنية التي تساوي بين المواطنين هي الحل الأمثل لاختلاف الفئات وانتمائهم، فالمساواة تكفل حقوق الجميع بدون تمييز .
وحول الدور الذي يلعبه الإعلام اللبناني في موضوع التعددية في لبنان أشارت جوني إلى أن لبنان بلد منقسم حتى إعلامياً حيث تؤثر السياسة والطائفية غالبا على الخطاب الإعلامي في الكثير من الأحداث التي تحصل في لبنان، وتنقسم فيما بينها على مناصرة القضايا والتأثير في الرأي العام وفقاً للمصالح السياسية والطائفية، ورغم ذلك يمكن الاستفادة من الإعلام في الكثير من قصايا المناصرة الحقوقية التي رغم التفريقات الإعلامية، غالباً ما يكون السلطة الرابعة الذي يعمل فعلياً على الإضاءة على موضوع القضايا والتحركات.

في الختام، التنوع الثقافي والديني يمثل ثروة حقيقية للمجتمعات وعلى الحكومات والجهات المسؤولة رسم خطة واضحة للحفاظ على هذه الثروة وحماية الأقليات المختلفة داخل المجتمعات بحيث يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون، قائم على التماسك الاجتماعي بين أفراده ويسوده الاحترام بين أفراد المجتمع.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق