الفكر

فلسفة الإعلام

الدكتور خالد عبد اللطيف

يحلو للبعض أن يسمي الإعلامُ التقليديِّ «الإعلام الساكِن» لأنه ممارسة من طرفٍ واحدٍ، لا يشترِكُ فيه المُتلقِّي بحديث ولا حوار، ولا إبداءِ رأي، ولا تسجيل موقف. أما الإعلام الجديد بكل تقنيَّاته وأدواته، فهو إعلام تفاعلي حي، يشترِكُ فيه المُرسِلُ والمُستقبِل في الحديث والرأي والحوار.

لقد فتح الإعلام المعاصر آفاقا جديدة واسعة؛ ليُعبِّرَ بها المرء عن ذاته وشخصيته، والتفاعل مع ما حوله من قضايا وأحداث، بطُرق مختلفة، وأسالِيب متجددة، قد لا يدركها أو يستوعبها جيل الآباء والكبار، إن الزمن قد تجاوز حقبة «حصار الكلمة» إلى فضاء حرية مسئولة عبر إعلام هادف وصادق يجد فيه المواطن العادي ضالته.

كما أن مشاركة الجمهور باتت المعيار الجديد في إدارة الأزمات الحياتية، حيث يعتمد كثير من المواطنين على وسائل الإعلام الجديد -الإلكتروني والهواتف الزكية- أثناء الأزمات، لأنهم يشعرون بأن المعلومات المقدمة إليهم من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو الرسمية تكون متحفظة أو بطيئة أو غير دقيقة أو تفتقد للشفافية.

ويعلق د.عبد الكريم بكار على مقولة «من يملك الإعلام يملك العالم» بقوله: “وهذا القول عميق الدلالة؛ فالإعلام اليوم من خلال الإتقان الفائق للبرامج التي يقدمها، ومن خلال ما يتمتع به من قدرة كبيرة على التأثير بات قادراً فعلاً على أن يصنع شيئاً من لا شيء؛ إنه قادر على أن يوجد بيئة كاملة من الأفكار والمشاعر والقيم والاهتمامات والاتجاهات لأمور تافهة أو هامشية مثل الرياضة والفن والطبخ والأزياء.. والملاحظ -مثلاً- أن بعض منتجات (هوليود) من الأفلام والأعمال الفنية بات يركز على إظهار (البوذية) بوصفها الديانة الأعمق روحانية والأكثر إنسانية، وقد اقتنع كثير من الناس في الغرب على الأقل بذلك، والسبب هو أن اليابانيين اشتروا أسهماً في (هوليود) بعشرات المليارات من الدولارات، وباتوا يتحكمون في إنتاجها، وقد قدموا بذلك خدمة لديانتهم كان من الصعب أن تحظى بها لولا عمليات الشراء تلك!”.

كوادر مدربة
إن حماية ثغور الدين والعقيدة الصافية لا تقل أهمية عن حماية ثغور الوطن، ولقد كان هذا ديدن العلماء الأخيار على مدار التاريخ الإسلامي، فلقد كان الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن الجوزي وغيرهم من علماء الآمة، يقرؤون ما كتبه المبتدعون والملحدون وأهل الأهواء فينبرون لهم في الحال.. كتب ابن تيمية (العقيدة التدمرية) بين الظهر والعصر، ورد على المبتدعة في جوابه على سؤال واحد وفي جلسة واحدة، بأكثر من مائتي صفحة، حتى عاد أكثرهم إلى الحق، في مجلسه ذاك، وكان -رحمه الله- في نفس الوقت من أكثر الناس عبادة وتسبيحا وتهليلا!.

وإذا كان المال عصب المنظومة الإعلامية المعاصرة حيث يوفر إنشاء بنى وهياكل إعلامية، لكن بناء الكوادر الإعلامية المحترفة لا يقل أهمية عن أهمية المال، ويحتاج بالضرورة إلى وقت وجهد لا يستهان به؛ فهضم الرسالة الإعلامية، واستيعاب الفرص والتحديات الموجودة فيها، وشق طريق خاص متميز بين دروبها وشعابها، يحتاج إلى الممارسة والمعاناة والانخراط في لجة العمل الإعلامي، والزمن والمثابرة عامل مهم في بلوغ كل ذلك.

ومن أهم التحديات التي تواجه العاملين والقيادات في الحقل الإعلامي:
– التغير المستمر في أمزجة ورغبات الرأي العام، وعدم ثباتها لفترات طويلة.
– ضحالة الوعي الجماهيري في أغلب الأحيان وبخاصة في الدول النامية.
– تذبذب مستوى ونوعية الحاجات واختلافها من فئة إلى أخرى، فما يناسب الشباب قد لا يناسب الكهول، ومتطلبات إعلام الطفل تختلف جذريا عن الإعلام الموجه للمرأة مثلا.
– استحواذ القنوات الإعلامية المنافسة على شريحة من سذج الجمهور المتلقي عبر البروباجندات الإعلامية والاحتفاء بالذين يقولون أكثر من احتفائها بالذين يعملون.
– ‌أسلوب عرض المادة الإعلامية، ومستوى قوتها، ورصانتها، واشتمالها على وسائل الإقناع، وفنون التأثير، وتدعيمها بالإخراج المناسب والدليل الموثق.
– موهبة الإعلامي المحنك في ترتيب أفكاره والتخطيط الجيد للبرنامج وطرحه للموضوع وإدارته للحوار وهذه قوة مطلوبة وموهبة مرغوبة في الكوادر الإعلامية.

ولهذا فلا بد من العمل الجاد والمهني الاحترافي والتفهم لهذه التحديات لمن أراد الإمساك بزمام التأثير، وامتلاك دفة التوجيه؛ لأن العفوية، وعدم التطور أعظم مقتلة للعمل الإعلامي، ومذهبه للجهود دون جدوى.

خلط مذموم
من إشكاليات الإعلام المعاصر «المزج بين نقل الحدث وتقييمه» فعملية نقل الحدث تعني بتفاصيل أحداثه من بداياته حتى نهاياته، أما التقييم فهو فضاء من التصورات والتحليلات لهذا الحدث معني بها المتخصصون والأكاديميون وأصحاب الخبرات والتجارب المتعلقة بنوع الحدث وماهيته، ولهذا إن اتفقت المشاهد والتسجيلات لحدث ما فمن الصعب الاتفاق على تقييم أو تحليل واحد لأنه مجال لأراء بشرية وتوقعات عقلية تختلف من شخص لآخر حسب رؤيته وخبرته وتوجهه.

والمقصود أن العمل الإخباري الإعلامي النزيه لابد أن يركز ابتداء على إبراز الحدث، وتسليط الضوء عليه بالصوت والصورة والكلمة، عبر شبكة من المراسلين والمصورين المحترفين، ثم يتبع ذلك انخراط شخصيات متخصصة في تحليل ما يجري، وحصيلة متابعاتها ورؤاها فيما يختص بالحدث.
أما المزج بين الحدث وتقييمه فيعتبر نوعا من ضعف وضحالة العملية الإعلامية، ومن شأنه أن يشوش الحقائق والمتابع لها، فلا يستطيع المرء الفصل بين الحدث والرأي، كما أنه يجهض مصداقية القناة الإعلامية، وهو أيضا نوع من التضليل الإعلامي لأنه يحمل في طياته قيادة المتلقي نحو فكرة معينة أو توجه خاص بعيد عن الحيادية المطلوبة في القناة الإعلامية المحترمة.

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ سلامة أحمد سلامة: “الإعلام بالحقائق والمعلومات أجدى كثيراً من الكلام والتوك شو الذي يثير سجالاً ولا يقدم أخباراً ومعلومات تضيء عقول الناس وتغير سلوكياتهم”.

ويقول الأستاذ السنوسي محمد السنوسي: “فالمعادلة الصحيحة: الخبر ثم الرأي، لا العكس، ولا الخلط بينهما. وإذا كانوا في القانون يقولون: الحكم عنوان الحقيقة، ففي الإعلام يقال: الخبر عنوان الحقيقة”.

ويقول أيضا: “الموضوعية تعني أنك تستند إلى الحقائق والأرقام لا الأهواء، وتخاطب العقول بالحجج والبراهين، وأنك تحترم وجهات النظر الأخرى وتقدمها كما هي دون تشويهها أو الافتراء عليها. لأن تجاوز الموضوعية يجعلنا نقع في شباك الدعاية، ويُحوِّل الإعلام إلى إعلان”.

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق